الإنعكاسات السياسية والقانونية للاعتراف الأمريكي حكم ذاتي للصحراء في إطار سيادة مغربية

الإنعكاسات السياسية والقانونية للاعتراف الأمريكي  حكم ذاتي للصحراء في إطار سيادة مغربية
بقلم : ذ/ الحسين بكار السباعي 10 يناير 2021

قرار إعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء  لا محال أنه “سيكون له تأثير غير مسبوق ليس فقط على الموقف المغربي، بل على العملية السياسية الأممية ككل”.
فقرار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب “يعتبر إنجازاً دبلوماسياً غير مسبوق”،في حال حافظ الرئيس المنتخب جو بايدن على السياسة الجديدة التي سنها ترامب (وهو السيناريو القريب للواقع)، فسيكون لذلك تأثير كبير على العملية السياسية الأممية، وقد يدفع دولاً أخرى للاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، ما سيعمق العزلة الدبلوماسية لكل من الجزائر والبوليساريو”. الجزائر التي كانت محط انظار المحللين السياسيين البارحة بزيارة مساعد كاتب الدولة الأمريكي المكلف بشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ديفيد شينكر حول قضية الصحراء  ، والذي أكد على أنه يتعين أن تتم في  تسوية النزاع ، في إطار مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب، وفق ما ذكرته وكالة المغرب العربي للأنباء.
هي أثار مادية لمشمل مفتعل تعلم الحزائر نفسها ان لا حل الا بتوافقها مع المغرب و إلا كانت خاسرة وهذا ماخلصت اليه من خلال 
ما يستعرض من المزيد من الآثار المنعكسة طبعا على سياستها الداخلية نتيحة الفراغ الرئاسي الذي تعرفه العاصمة الجزائر و انعاسها على قصر المرادية .
لعل من  الأسباب الموضوعية التي قلت إنها ستدفع المغرب إلى عدم التفكير في تطبيع علاقاته مع إسرائيل، هي مسألة تتمحور اسكاليتها في سؤالين : ماذا لو كان للجزائر دور ايجابي في حل مشكل الصحراء  ،و لماذا لم تستجب لا لدعوات  المغرب ولا لمطالب المنتظم الدولي ؟؟؟
  تخميناتنا،  هذه المرة جانبت الصواب، إذ أتثبت مجريات الأمور أن ما كان الكثيرون يعتبرونه فقاعة إعلامية أصبح واقعا في آخر المطاف. فإذا كان  المحلل أو المراقب يبني تحليلاته على معطيات موضوعية وليست له دراية بما يجري في الكواليس وبالحسابات السياسية للسلطات العمومية فعلية ان يراجع مرجعياته ومصادر معلواته ومدى خبرته في تخليل الخطاب السياسي الدولي وربطه بحركية موازين القوى .
فحسب وسائل الإعلام الأمريكية فإن فكرة اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء نشأت في غضون عام 2018 مقابل إقدام المغرب على استعادة علاقاته مع إسرائيل والرقي بها إلى مستوى دبلوماسي. وكان من المفروض أن يعلن ترامب عن ذلك قبل أكثر من سنة ونصف، إلا أن معارضة مستشاره السابق في الأمن القومي جون بولتون، والسناتور الموالي للبوليساريو جيمس إنهوف، حالت دون وقوع ذلك. وحسب موقع أكسيوس المقرب من دوائر القرار في واشنطن فإن ما يفسر تأخر إعلان ترامب عن اعترافه بسيادة المغرب على الصحراء في هذه الظروف هو الخلاف الشخصي الذي طرأ بينه وبين السناتور جيمس إنهوف حول إحدى بنود قانون تصريح الدفاع الوطني.
 1 -  من حيت التداعيات السياسية والقانونية لهذا القرار :
بالنظر إلى ارتباطي العاطفي والديني بالقضية الفلسطينية وبحق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة، كنت أتمنى ألا يكون قرار اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء مقرونا بقرار المغرب تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل.
غير أنه وبغض عن العواطف والتعلق الوجداني بالقضية الفلسطينية، أظن أنه سيكون لهذا القرار تأثير غير مسبوق ليس فقط على الموقف المغربي، فإذا كان موقف المغرب قد تعزز خلال السنوات الثلاث الماضية من خلال إدراج الجزائر في القرارات الخمسة الأخيرة لمجلس الأمن باعتبارها طرفا رئيسيا في النزاع وهذا ماتكدته زيارة ظيفد شينكر الاخيرة للجزائر، من خلال تأكيد هذه القرارات على الواقعية للتوصل إلى حل سياسي متوافق عليه وفي إطار حكم ذاتي تحث سيادة الدولةالمغربية .
و بالإضافة إلى اعتراف 17 دولة بسيادة المغرب  على صحرائه و من خلال فتح قنصليات لها هناك، فإن قرار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب يعتبر إنجازاً دبلوماسياً غير مسبوق. وفي حال حافظ الرئيس المنتخب جو بايدن على السياسة الجديدة التي سنها ترامب (وهو السيناريو القريب للواقع) فسيكون لذلك تأثير كبير على العملية السياسية الأممية، وقد يدفع دولاً أخرى إلى الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، ما سيعمق العزلة الدبلوماسية لكل من الجزائر والبوليساريو.
قد يقول البعض إنه لن يكون لهذه الخطوة أثر قانوني أو أثر على المستوى السياسي، طالما أنها جاءت على شكل إعلان (Proclamation) وليست قراراً تنفيذياً (executive order) صادرا عن الرئيس ترامب، كما أن الرئيس بايدن سيقوم بالتراجع عن هذا القرار؛ لكنني أظن أن هذه قراءة متسرعة للأمور لا تأخذ في عين الاعتبار العديد من العناصر المترابطة التي لا يمكن من دونها فهم أبعاد هذه الخطوة وتأثيرها على مستقبل الملف، كما لا تأخذ بعين الاعتبار البعد القانوني الضمني لهذا الإعلان وأثره على الموقف الأمريكي من هذا النزاع في المستقبل.
و ينبغي الأخد بعين الاعتبار أن هذا الإعلان، وإن كان من الناحية الشكلية قد لا يرقى إلى مستوى القوانين الصادرة عن الكونغرس أو إلى مستوى القرارات التنفيذية الصادرة عن الرئيس، إلا أن له بعدا قانونيا. فحسب لجنة العمليات الحكومية بمجلس النواب (House Government Operations Committee) فإن “الأوامر التنفيذية والإعلانات هي توجيهات أو إجراءات تصدر عن الرئيس، وحينما يعتمدها الرئيس بناءً على سلطته المستمدة من الدستور أو النظام الأساسي فتكون لها قوة وتأثير القانون”.
إضافة إلى ذلك، فحينما يتم استعمال هذه الإعلانات أو الأوامر التنفيذية تماشيا مع سلطات الرئيس، ويتم نشرها، تصبح لها قوة وتأثير القانون. وحسب الممارسة المتعارف عليها في توزيع السلط بين السلطة التنفيذية والكونغرس، يمكن لهذا الأخير إلغاء هذه الإعلانات الرئاسية في حال تم اعتمادها في إطار خارج عن السلطة المخولة للرئيس بموجب الدستور. وهناك العديد من الحالات التي قام فيها الكونغرس بإلغاء إعلانات الرئيس وقراراته التنفيذية؛ إلا أن هذه الحالات اقتصرت فقط على القرارات التي تهم السياسية الداخلية للبلاد وليس قضايا السياسة الخارجية.
وحسب الممارسة السياسية الأمريكية، وفي حال تم اللجوء إلى المحاكم لتحديد قانونية إعلان رئاسي أو قرار تنفيذي من عدمه، فقد جرت العادة أن تتعامل المحكمة باحترام مع الرئيس كلما كان موضوع ذلك له علاقة بتدبير السياسة الخارجية الأمريكية.
بالإضافة إلى ذلك، فحينما يكون هناك غموض حول تقاطع الصلاحيات الرئاسية وصلاحية الكونغرس، ويقوم الرئيس باعتماد إعلان رئاسي ولا يلقى معارضة من الكونغرس، فإن صمت هذا الأخير عن ذلك الإعلان يعتبر إذعانا ضمنيا لصلاحية الرئيس في اتخاذ تلك الخطوة.
وحتى نقطع الشك باليقين ونستخلص أن قرار الرئيس ترامب يدخل ضمن اختصاصاته، وأن الكونغرس لن يقوم بإلغائه، نستحضر القرار المفاجئ للرئيس السابق ريتشارد نيكسون عام 1971 حينما فاجأ السياسيين والرأي العام الأمريكي وعبر عن نيته تطبيع علاقاته مع الصين. فرغم أهمية ذلك القرار ووقعه على مستقبل البلاد وتنافيه مع السياسة الخارجية الأمريكية آنذاك، إلا أن الرئيس نيكسون اتخذ هذا القرار تماشياً مع السلطة التي يخولها لها الدستور لتدبير شؤون السياسة الخارجية لبلده؛ كما أنه قام بذلك بدون استشارة الكونغرس، الذي لم يحاول بعد ذلك إعادة النظر في هذا القرار أو إلغاءه. وحينما اتخذ الرئيس نيكسون ذلك القرار، غير توجه السياسة الخارجية ضد الصين.
 2- التأويل القانوني لإعلان الرئيس:
ومن جهة أخرى، فحينما نقرأ إعلان الرئيس ترامب بتمعن، نرى أنه يتضمن كذلك قراره فتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة . وحتى ولو افترضنا جدلاً أنه ليس لهذا الإعلان أثر قانوني على السياسة الأمريكية تجاه هذا الملف أو تجاه علاقاتها مع المغرب، فيمكن القول بناء على مبدأ “التأويل القانوني” (Legal interpretation) إن قرار الرئيس فتح قنصلية في الداخلة يعطي لهذا الإعلان قوة القانون، إذ لا يمكن للرئيس أن يقوم بهذه الخطوة إلا إذا كانت له السلطة القانونية التي تخوله القيام بذلك. إن تأويل اللغة التي يحتويها نص الإعلان هو الذي يعطيها معنى قانونياً ويعطيها قوة القانون.
والحالة هذه فإن فتح البعثات الدبلوماسية والاعتراف بالحكومات الأجنبية يدخل ضمن السلطات الرئاسية التي حددها الدستور الأمريكي، وإن كان هناك بعض التداخل بين اختصاصات الرئيس واختصاصات الكونغرس بخصوص بعض القضايا المرتبطة بصياغة وتنفيذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة. كما أنه بمجرد أن يتم فتح قنصلية أمريكية في الداخلة فسيعني ذلك اعترافاً رسميا للولايات المتحدة بسيادة المغرب، وستكون له تبعات قانونية طبقاً للامتيازات والالتزامات التي تضمنها اتفاقية فيينا المتعلقة بالعلاقات الدبلوماسية بين الدول.
ولمعرفة أهمية “التأويل القانوني” في إعطاء معنى قانوني للنصوص غير الواضحة، أود الإشارة إلى أن الدستور الأمريكي لا يتضمن أي إشارة تضمن حق الشعب الأمريكي في التعليم، بينما يضمن حقه في امتلاك السلاح والتصويت من بين حقوق أخرى. ومع ذلك، وبفضل اجتهاد فقهاء القانون وتأويلهم لنص الدستور، فقد استنتجوا أن حق الشعب الأمريكي في التصويت يكفل لهم كذلك الحق في التعليم. ووصل فقهاء القانون الأمريكيون إلى هذا الاستنتاج بعدما أولوا نص الدستور وخلصوا إلى أنه لا يمكن لأي أحد أن يمارس حقه في التصويت إذا لم يحصل على مستوى تعليمي يؤهله للتواصل مع الفاعلين السياسيين المحليين والفدراليين ويمكنه من فهم خطابهم بشكل يؤهله لممارسة حقه في التصويت بناءً على اقتناع ودراية بالبرنامج الانتخابي لكل مرشح على حدة. بناءً على ذلك، يمكن القول إن مبدأ “التأويل القانوني” المعمول به في القانون الأمريكي يعطي لإعلان الرئيس ترامب قوة القانون.
إن هذه القراءة لا تعني بشكل قطعي أن الرئيس بايدن سوف يقوم بفتح قنصلية في الداخلة وهذا ما سنشهده اليوم .
 3- زخم سياسي غير مسبوق للموقف المغربي
بغض النظر عما إذا كانت لهذا الإعلان قوة قانونية أم لا، فإن قيمته تمكن في الزخم السياسي والدبلوماسي الذي يعطيه للموقف المغربي وفي تأثيره من الناحية العملية على موقف الإدارة الأمريكية من ملف الصحراء. من الناحية السياسية والدبلوماسية، فإن هذا القرار سيمثل من الآن فصاعداً الموقف الرسمي للولايات المتحدة تجاه المغرب وقضية الصحراء، وسيشكل الإطار الدبلوماسي الذي سيحكم موقفها من هذا النزاع. هناك من يقول إن حالة الانقسام التي يعيشها المشهد السياسي الأمريكي وتوقيت القرار الذي جاء قبل أقل من ستة أسابيع على انتهاء ولاية الرئيس ترامب سيدفع خلفه الرئيس جو بايدن إلى إبطال مفعوله والرجوع إلى الموقف التقليدي لواشنطن. صحيح أن جو بايدن أعلن أنه سيقوم إلغاء العديد من القرارات التي اتخذها الرئيس ترامب، وعلى رأسها قرار الانسحاب من اتفاق باريس للتغير المناخي وقرار الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، وكذا الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.
إلا أن الفرق بين قضية الصحراء والقضايا الثلاث المذكورة أن هذه الأخيرة تعتبر قضايا خلافية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، خاصة حينما وصل الرئيس ترامب إلى الرئاسة. على سبيل المثال، فهناك خلاف جوهري بين الحزبين حول طريقة التعامل مع الملف النووي الإيراني. على النقيض من ذلك، فإن قضية الصحراء والعلاقات الأمريكية ليست قضية خلافية بين الحزبين على الإطلاق، بل إن المغرب نجح على مر السنين في الحصول على دعم الحزبين بخصوص موقفه من الصحراء المغربية. وهنا علينا أن نستحضر القرارات التي اعتمدها الكونغرس خلال السنوات الماضية، والتي صوت فيها أعضاء الحزبين على إدراج الصحراء في المساعدات السنوية التي تمنحها واشنطن للرباط؛ كما أنها ليست قضية ذات أهمية قصوى بالنسبة للرئيس، ولن تكون ضمن أولوياته.
بالإضافة إلى الدعم الذي يحظى به المغرب من كل الحزبين داخل الكونغرس، فإن ما يبعد فرضية إلغاء بايدن لقرار ترامب هو معرفته الدقيقة بحيثيات الموقف المغربي وانتظارات المغرب بخصوص الولايات المتحدة الأمريكية؛ كما أنه على دراية بأن المغرب قد قدم مقترح الحكم الذاتي لمجلس الأمن بناءً على اقتراح من الرئيس السابق بيل كلينتون. وبالتالي فإن اعتراف ترامب بمغربية الصحراء ما هو إلا تحصيل حاصل وترجمة صريحة للموقف الأمريكي من هذه القضية. كما أن بايدن على وعي بنوعية العلاقات التي تجمع البلدين ولن يقوم بأي خطوة من شأنها أن تتسبب في توتر غير مسبوق بينهما.
الأهم من ذلك أن قرار المغرب تطبيع علاقاته مع إسرائيل سيجعله في موقف أكثر قوة في واشنطن مما كان عليه الأمر في السابق. فإذا كان المغرب استفاد لسنوات عديدة من دعم اللوبي اليهودي ومن جاليته المقيمة في الولايات المتحدة للتأثير على موقف هذه الأخيرة بخصوص الصحراء، فإن إعلانه تطبيع علاقاته مع إسرائيل ومساهمته في إنهاء عزلتها الإقليمية سيقوي جبهة اللوبي اليهودي الموالي المغرب. ويعتبر نفوذ وتأثير اللوبي اليهودي على أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين من بين المسلمات ومن بين أهم ما يميز الحياة السياسية الأمريكية.

 



تعليقات الزوّار

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس

اترك تعليقا

إقرأ أيضا