الصحراء المغربية: وحدة لا تقبل التجزئة

"الوطن هو المكان الذي يضمنا، وبدونه نحن مجرد أرقام على خريطة". هذه المقولة تعكس عمق العلاقة التي تربطنا بأرضنا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالصحراء المغربية. تعتبر قضية الصحراء واحدة من أعمق القضايا الوطنية التي تلامس وجدان كل مغربي. في هذا الإطار، نرفض بشدة أي دعوات لتقسيم الصحراء، وندافع عن مقترح الحكم الذاتي كحل سياسي واقعي ودائم.
تُعتبر الصحراء جزءًا أساسيًا من الهوية الوطنية والتاريخية للمغرب، حيث تعكس التنوع الثقافي والتاريخ المشترك بين مختلف مكوناته. تعزز السيطرة على الصحراء الأمن والاستقرار الوطني، وتساعد في مواجهة التهديدات الإقليمية. كما تحتوي المنطقة على موارد طبيعية مهمة تُساهم في التنمية الاقتصادية. بالتالي، يُعتبر الحفاظ على الصحراء ضروريًا لتعزيز الوحدة الترابية وتعميق الانتماء الوطني، مما يضمن استقرار المغرب وتماسك مجتمعه.
يبدو أن هناك انتقادات قوية لتصور دي ميستورا حول قضية الصحراء المغربية، حيث يُعتبر أن اقتراحه باقتسام المنطقة يتجاهل التاريخ والجغرافيا والواقع السياسي القائم. يرى الكثيرون أن مثل هذه الأفكار لا تأخذ بعين الاعتبار الروابط التاريخية والثقافية للمغرب مع الصحراء، بالإضافة إلى المواقف الثابتة للمغرب في الدفاع عن وحدته الترابية. هذه الانتقادات تعكس شعوراً واسعاً بعدم الرضا عن بعض المقترحات الدولية التي تُعتبر غير واقعية أو غير ملائمة للسياق التاريخي والسياسي للمنطقة.
إن مقترح دي ميستورا، المبعوث الأممي، حول تقسيم الصحراء المغربية تثير العديد من التساؤلات حول نواياه. فالصحراء ليست مجرد منطقة جغرافية، بل هي جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية المغربية. إن أي محاولة لتقسيمها تعني المساس بوحدة الوطن، وهو ما يعتبر خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه. التاريخ يثبت أن التقسيم لم يكن يومًا حلاً، بل كان دائمًا سببًا في تفاقم النزاعات وتدهور الأوضاع. إن وحدة التراب الوطني ليست مجرد شعار، بل هي قيمة راسخة في قلوب المغاربة، تجسد روح التضامن والانتماء.
لقد فشل ستافان دي ميستورا في تحقيق تقدم ملموس في نزاع الصحراء المغربية بسبب عدة مكامن للخلل، من أبرزها زيارته المثيرة للجدل إلى جنوب إفريقيا، التي اعتُبرت انحيازًا لجبهة البوليساريو وأثرت سلبًا على مصداقيته، كما افتقر إلى تحقيق توازن في الوساطة، حيث تجاهل مخاوف المغرب الأمنية وركز بشكل مفرط على مبدأ تقرير المصير دون مراعاة لمقترح الحكم الذاتي. بالإضافة إلى ذلك، غاب عنه استراتيجية واضحة للتعامل مع النزاع، مما جعله يبدو كإجراءات شكلية دون أهداف محددة. هذه الأخطاء ساهمت في تعزيز الجمود السياسي وزيادة تعقيد الوضع.
من يظن أن مقترح تقسيم الصحراء جاء من دي ميستورا، فهو مخطئ، فالمقترح جزائري بحت، هناك تقارير تشير إلى أن مقترح تقسيم الصحراء المغربية قد تم طرحه من قبل الجزائر في عام 2001، خلال المفاوضات المغلقة التي أجريت في هيوستن بولاية تكساس تحت رعاية جيمس بيكر، الذي كان يشغل حينها مبعوثًا شخصيًا للأمين العام للأمم المتحدة، كوفي عنان، وهو المقترح الذي تم رفضه بشكل قاطع من قبل المغرب، الذي أكد على موقفه الثابت بخصوص وحدة أراضيه ورفض أي محاولات لتقسيمها.
يدل دعم الجزائر لتقسيم الصحراء الغربية بوضوح على عدم اكتراثها بمصلحة المحتجزين الصحراويين في مخيمات تندوف، وسعيها الحثيث لتحقيق أهدافها الجيوسياسية فقط، حيث تركز جهودها على الحصول على منفذ إلى المحيط الأطلسي، عزل المغرب، وقطع تواصله الجغرافي مع عمقه الإفريقي.
ومؤخرًا، اقترح المبعوث الأممي إلى الصحراء المغربية، ستافان دي ميستورا، تقسيم الإقليم بين المغرب وجبهة البوليساريو كوسيلة لتسوية الصراع القائم منذ عقود، فقد تم إبلاغ المبعوث الأممي بهذا المقترح خلال زيارته الأخيرة لتندوف، وهذا المقترح يعكس اعترافًا ضمنيًا بأن المغرب قد انتصر في نزاع الصحراء، خاصة بعد الاعترافات الدولية الأخيرة التي ذكرها الملك، في خطابه الأخير في افتتاح الدورة الأولى من السنة الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشر للبرلمان.
إن مقترح تقسيم الصحراء يعكس تغيرًا في استراتيجية الجزائر تجاه النزاع، بعد سنوات من المحاولات الفاشلة لتقسيم المغرب، ويبدو أنها تسعى الآن لتحقيق مكاسب جزئية من خلال تقسيم الصحراء، هذا التحول يعكس اعترافًا ضمنيًا بقوة الموقف المغربي والتأييد الدولي المتزايد له.
الجزائر، وبعد فشل مخططاتها في تقسيم المغرب، بدأت الآن تروج لفكرة تقسيم الصحراء، حيث تعتبر نصف الخسارة أفضل من الخسارة الكاملة، ولا يمكن إغفال الدور الذي تلعبه في هذا النزاع، فبدلاً من العمل ترسيخ السلام واستباب الامن في المنطقة، واحترام حرمة الجوار ، تواصل دعم جبهة البوليساريو، مما يعكس رغبتها في زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، هذا الدعم ليس مجرد مساعدة سياسية، بل هو محاولة لفرض أجندة خارجية على المغرب، إنها تسعى إلى تحقيق أهدافها الخاصة على حساب وحدة المغرب، وهو ما يتعارض مع مبدأ احترام سيادة الدول.
قطع العلاقات مع المغرب يعكس استراتيجية الجزائر في تقليص فرص الحوار والتفاوض حول ملف الصحراء، هذا القرار يمكن أن يُعتبر خطوة من قبل نظام الكابرنات، المتحكمين في قرارات قصر المرادية، لتعزيز موقفهم في القضية، حيث يسعون إلى إبقاء الملف في إطار الصراع الإقليمي بدلاً من الوصول إلى حلول سياسية، وهذه الديناميكية تؤدي إلى تعزيز الجمود، وتحديات أكبر أمام أي محاولات للتوصل إلى تسوية، مما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا ويقلل من فرص تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
تلعب الجزائر دورًا معقدًا في النزاع حول الصحراء المغربية، حيث تسعى للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في الوقت الذي تعارض فيه جهود المغرب لتحقيق حل نهائي من خلال خطة الحكم الذاتي، وتلعب دورًا محوريًا في النزاع، إذ تُعتبر طرفًا مستفيدًا من الوضع الراهن. وتدعم جبهة البوليساريو التي تسعى لاستقلال الصحراء، بهدف تقويض شرعية المغرب على أراضيه الثابتة بالحجج التاريخية، والواقع الجغرافي.
أما مقترح الحكم الذاتي الهادف إلى منح الصحراء حكمًا ذاتيًا موسعًا ضمن السيادة المغربية، فقد لاقى دعمًا من فرنسا مؤخرًا، مما أثار ذلك ردود فعل سلبية من طرف الجزائر، التي اعتبرت هذا الدعم انتهاكًا للقانون الدولي وهضما لحقوق الصحراويين، مما دفعها إلى استدعاء سفيرها في فرنسا.
توظف الجزائر النزاع لتعزيز موقفها الجيوسياسي في المنطقة، حيث يمكنها من خلال الحفاظ على النزاع تحويل الانتباه عن المشاكل الداخلية وتسويق صورتها كمدافعة عن حقوق الشعوب المضطهدة وحقها في تقرير مصيرها، مما يُمكّنها من الاستمرار في التأثير على الديناميات الإقليمية، بينما تعارض كل المبادرات المغربية الهادفة الى حلحلة النزاع المفتعل، ووضع حد له بشكل مستدام.
في ظل هذه الظروف، يظل مقترح الحكم الذاتي هو الحل الأكثر واقعية، فهو يتيح للسكان المحليين إدارة شؤونهم بأنفسهم، مع الحفاظ على وحدة البلاد، وقد أثبتت التجارب العالمية أن الحكم الذاتي يمكن أن يكون نموذجًا ناجحًا لحل النزاعات، حيث يوفر للناس فرصًا للتنمية والازدهار، كما أن هذا المقترح يعكس التزام المغرب بالحلول السلمية، ويؤكد على إرادته القوية والصادقة في تحقيق الاستقرار في المنطقة، مما سيتيح لسكان الصحراء التعبير عن احتياجاتهم وطموحاتهم، الشيء الذي سيسهم في بناء مجتمع متماسك ومزدهر.
في خطابه بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة للبرلمان، أكد الملك محمد السادس على أهمية قضية الصحراء المغربية باعتبارها القضية الأولى لجميع المغاربة، وأشار إلى الجهود المبذولة لتعزيز موقف المغرب على الساحة الدولية، بما في ذلك الاعتراف بسيادة المغرب على كامل تراب الصحراء من قبل دول كبرى مثل اسبانيا ، فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وقد أشاد الملك بالدعم الذي تلقاه المغرب من الدول العربية والإفريقية الشقيقة، وأكد على أهمية مواصلة التعبئة واليقظة لتعزيز موقف المغرب والتصدي لمناورات الخصوم.
من خلال مضمون الخطاب الملكي الأخير امام ممثلي الامة بالبرلمان، يتجلى التفاني العميق في الدفاع عن قضية الصحراء المغربية، والعمل المستمر لتعزيز الموقف المغربي على الساحة الدولية.
لقد نجحت جهود المغرب في الحصول على اعتراف دول كبرى بسيادته على كامل تراب الصحراء، وهو ما يعكس الدعم الدولي المتزايد، كما شدد الملك على أهمية التضامن بين جميع المغاربة ومواصلة التعبئة واليقظة لمواجهة أي تحديات مستقبلية، وهو دعوة لتحقيق الوحدة الوطنية وتعزيز حقوق المغرب التاريخية والمشروعة.
إن التنازل عن أي شبر من ارض الصحراء المغربية أمر مستحيل، فالصحراء رمز للسيادة الوطنية، وقد أكدت المملكة المغربية مرارًا وتكرارًا على موقفها الثابت في الدفاع عن وحدتها الترابية، وهو ما يتجلى في جميع المحافل الدولية، فأي مساس بهذه الوحدة هو مساس بكرامة الشعب المغربي، والأجيال القادمة يجب أن تعرف أن الصحراء كانت وستبقى جزءًا لا يتجزأ من الوطن، وأن الدفاع عنها هو واجب، وفرض عين على كل مغربي ومغربية.
إن الصحراء المغربية ليست قابلة للتقسيم، وهذا موقف يجب أن يتبناه الجميع، علينا أن نكون صارمين في دفاعنا عن وحدتنا الوطنية، وأن نعمل على تعزيز مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي ودائم، يجب أن نكون واعين بمطامع الجزائر التوسعية ورغبة البوليساريو الانفصالية في تأجيج النزاع، وأن نسعى نحو تحقيق سلام شامل يضمن حقوق الجميع ضمن إطار سيادة المغرب.
الدفاع عن مغربية الصحراء دفاع عن هويتنا ووجودنا، ويجب أن نكون متحدين في هذا السعي، فالصحراء ليست مجرد أرض، بل هي رمز للكرامة والعزة، وهي جزء من تاريخنا ومستقبلنا.
على الأجيال القادمة أن تعي أن الصحراء كانت وستبقى جزءًا لا يتجزأ من الوطن، وأن الدفاع عنها هو واجب مقدس، وفرض عين على كل مغربي ومغربية، لأنه دفاع عن هويتنا ووجودنا
تعليقات الزوّار
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس