الدين في الفضاء العام: تأملات في الخروج لمصلى العيد

 الدين في الفضاء العام: تأملات في الخروج لمصلى العيد
بقلم: عبد الخالق حسين* 05 أبريل 2025

 تبدو نصيحة العارف بالله سيدي عبد السلام بن مشيش قدس الله سره؛ لمريده العلامة سيدي أبو الحسن الشاذلي؛ دالة في سياق مقالتي هذه حول الدين في الفضاء العام؛ حيث اوصاه بكلمات قليلة لكنها تلخص فلسفات ثلاث ومقولات ذائعة في مجال (الكد الإنساني وراء الحقيقة) أوصاه قائلا:" من دلك على الدنيا فقد غشك، ومن دلك على العمل فقد اتعبك، ومن ذلك على الله فقد نصحك"..
في البداية ينبغي التعامل مع الثيمات الصوفية في لغة اهل الله بحذر معرفي ومنهجي شديدين، وهي: "الدنيا" و "العمل" و "الله"؛ ليست منعزلة ومتنافرة؛ كما يظن العقل التحليلي الفلسفي الغربي الذي ينظر الى الحياة ومكوناتها بنظرة التخصص والفصل.
 الدنيا: مرادف للغفلة، والعمل مرادف للتقنية، والله جل جلاله إشارة للتسليم.
فالدلالة على الله هي الهداية الموجهة للنفس في عملها في معترك الدنيا؛ فالفضاء العام لله ومن الله والى الله.
وإذا شئنا أن نقدم فرشا لمفهوم الدين عند اصحاب البراديغمات الثلاثة، بعد تجريد لغاتهم التحليلية من كثير من الطفيليات والتخرصات اللغوية الاستعراضية؛ فسوف نصرح بكون الفلسفة المبنية على الدنيا هي الوجودية بكل اشكالها، والفلسفة المبنية على العمل هي الماركسية بكل درجاتها. والفلسفة المبنية على الله هي التوحيدية وكل انحرافاتها وتحريفاتها وزياداتها من مثاليات وأصوليات منبثقة عنها.
غير انه لابد من الاشارة قبل الحديث عن الدين في الفضاء العام الى أن النسخة الخالصة للتوحيد والوحدانية هي النسخة المتأسسة على القرآن الكريم لأسباب يمكن إجمالها في ثلاثة:
*حفظه من التحريف
*تضمنه لآيات أم الكتاب المؤطرة لغيرها.
* اضماره لروحانية سارية في قلوب المؤمنين به وهي ما يطلق عليها " الهداية" او الإلهام.
ولهذا فمقالتي تحرر مفهوم الدين ابتداء من الظلال والتبعات المفاهيمية للفلسفة الغربية؛ وأقصد بالدين هنا نسخته القرآنية الناجية من التحريف والشرك.
والفضاء العام هو المجال الاجتماعي الذي يعبر فيه المؤمنون عن الأخلاقيات المتسامية.
 وفي سياق الحديث عن الدين في الفضاء العام؛ يتمركز "المسجد" كأحد أهم الفضاءات العامة المفتوحة للناس؛ وهو مجال لأخذ الزينة والخروج للصلاة وتلاوة القرآن وتزكية النفس وتلقي العلم والتعبير عن الجماعة واداء واجب التعارف والتضامن والوحدة بين قلوب المسلمين.
ولكن تبقى (مصلى العيد) المجال والفضاء الاكثر تعبيرا عن حضور الدين في المجال العام؛ أقصد فضاء المدينة الذي يستقبل الجميع بدون تمييز؛ وذلك للاعتبارات الاتية:
- الخروج الشامل للمواطنين.
- نفسية الابتهاج والسرور المصاحبة للخروج.
-التقاء الخروج الشعبي مع الخروج الرسمي لرموز الدولة وكذا الاعيان وممثلي الناس دستوريا.
 لقد كتب فلاسفة الغرب ومفكروه عن دلالات وحدود وتجليات الدين في الفضاء العام؛ وحاولوا تقدير هذا الخروج اتساعا وانكماشا.
 وغالب آرائهم كانت تحكمها نظرة "عقلانية وضعية" تنظر إلى الدين على أنه (بقايا موروثات اسطورية خرافية) تتفسخ وتتلاشى مع تعميم التفكير العقلاني ومظاهر الحداثة. غير ان هذه النظرة تعاني من تحيزات غير بريئة وغير موضوعية بتعبير المفكر عبد الوهاب المسيري؛ راجعة الى النظرة المعادية للدين منذ القرن الثامن عشر و التي سادت اوروبا لأسباب يعرف الجميع انها خاصة بالتجربة اليهو-مسيحية في سياق الصراعات الايديولوجية الغربية..
غير انه لابد من التعامل مع الفضاء العام عندنا من خلال ملاحظتنا "نحن" ودرايتنا "نحن" وتجاربنا "نحن" وخصوصيتنا "نحن".. فمناسبة العيد عندنا؛ هي التعبير الصادق عن اجتماعية تعاليم الاسلام؛ وخروج تعاليمه الى الفضاء العام؛ وعدم انحصار التدين في مجال الخصوصية الفردية والشأن الشخصي وذلك للاعتبارات التالية:
- العيد لحظة صلة رحم.
-العيد لحظة عفو وتسامح مع الاخر.
-العيد خروج واجب الى المصلى للمشاركة في (الصلاة والاستماع للعلم).
-العيد لحظة تصدق بزكاة الفطر او باي شكل من العطاء.
إن هذه التجليات تجعل من لحظة المصلى أكبر من لحظة (اتصال مع السماء) بل هي فعل وانجاز على الارض؛ وعندما نقول الارض فنحن نقصد " ما ينفع أهل الارض" من الخير والمعروف البر والسلام
 والتسامح والتضامن.. وكلها مفاهيم ذات عمق اجتماعي انساني في العمق.
 إن الفضاء العام في علاقته بالدين كما ذهب الفيلسوف "يورغن هابرماس" هو المجال الذي سوف تنتصر فيه العقلانية والحداثة وسوف يستغنى فيه عن الآمال الدينية والوعود الروحية؛ والخدمات التي تقدمها النصوص الدينية، بمعنى آخر سوف ينضج المواطن العقلاني الى درجة سوف يصبح التدين عائقا للتنمية وليس حلا وداعما من دعاماتها.
ويدعي "يورغن هابرماس" بكل تبجح غير علمي أن التدين سوف ينسحب بسلام من الفضاء العام فاسحا المجال للعقيدة العلمية والعقلانية والعلمية.
غير أن الملاحظة الدقيقة؛ و التي تسندها الحقائق السوسيولوجية هو أن (روح المصلى) سوف تساهم في تفكيك نزعة الهيمنة الرأسمالية الجشعة التي تملأ القلب المهوس و المجنون بقانون الربح السريع و اللاإنساني؛ فمادام الخروج الى المصلى يسع الصغير والكبير و الذكر والانثى و "الحر" و "العبد" كما في زكاة الفطر؛ و أشدد على "مصطلح العبد" و جغرافية المصطلح الفلسفية و الاجتماعية و الاقتصادية؛ فمعلوم أن عددا من فلاسفة الاقتصاد و الاجتماع يذهبون إلى أن الرق والعبودية متحققة في الزمن الرأسمالي المعاصر بأشكال عصرية و ملطفة ولنقل (عبودية ناعمة) وهذا ما جعلهم يطلقون على الدعارة المنظمة مصطلح ( الرقيق الابيض).
إن "المصلى" مجال يجمع العامل البسيط جدا ورجل الاعمال؛ وصاحب المعمل ومسير الشركة وعامل النظافة؛ والجميع يدخل الى "فضاء المصلى" متصافحا ومتعانقا؛ ويجلس الجميع على الارض متوجهين الى الله، والى قبلة الله، والى بيت الله الحرام، ليستمعوا الى آيات الله وتعاليم الله وحدود الله. 
سوف تساهم المصلى في تخليق الحداثة بتمظهراتها الاجتماعية والاقتصادية.
إن المصلى باعتبارها فضاء عاما؛ تصبح فضاء اخلاقيا بامتياز؛ خصوصا إذا موقعنا المصلى في مقابل فضاءات أخرى؛ مثل مقر الشركة او المؤسسة البنكية او البرج التجاري حيث تسود العلاقات الباردة والحسابية والرياضية، وتضمر العاطفة والتعاطف؛ وحيث الارقام والصفقات المحايدة انسانيا هي " الإله" والربح هو العقيدة.
سيبقى مفهوم الفضاء العام في التجربة المدنية الاسلامية غيره في التجارب الحضارية الاخرى خصوصا في التجربة الغربية؛ وسيبقى "النموذج المغربي" الاكثر والاعمق تعبيرا عن الخصوصية والتميز؛ فالفضاء العام المغربي يؤلف بين مفردات التطلعات الانسانية في : الرجوع للطبيعة؛ والنظر الى السماء في فضاء بلا سقف؛ و الدخول في الأفواج البشرية كتعبير عن ذوبان الأنا في الناس( ثم افيضوا من حيث افاض الناس)؛ بالإضافة الى التحية و السلام على من عرفت ومن لم تعرف؛ و بسط اليد بالزكاة و العطاء كتعبير عن التضامن؛ و الجلوس على الارض والتراب الطاهر؛ لان المصلى ليست هي المسجد الذي هو في الاصل مكان مفروش؛ وللجلوس على التراب معاني اهمها التواضع ( ولا تمش في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا)؛ و النظر الى القبلة بماهي بيت الله و ارادة وجه الله.. واتباع الإمام وعدم التقدم عليه او الذبح قبله او تأخير الزكاة عن وقت صلاته وخطبته في اشارة الى المواطنة المنضبطة وراء (اولي الأمر) والسلطان رمز (الشرعية الروحية الدستورية).
سوف تساهم "روح المصلى" في تفكيك نزعة الأخلاق الرأسمالية التي تملأ القلب المهوس والمجنون بقانون الربح السريع واللا إنساني؛ فمادام الخروج الى المصلى يسع الذكر والانثى والحر والعبد كما في زكاة الفطر وأشدد على "كلمة العبد" وجغرافيتها الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية؛ فقد طرح أكثر من واحد من فلاسفة الاقتصاد المعاصرين أن العبودية متحققة في الزمن الرأسمالي المعاصر بأشكال "عصرية وملطفة" ولنقل بتعبير آخر (عبودية ناعمة).
إن المصلى مجال يجمع العامل البسيط جدا ورجل الاعمال وصاحب المعمل ومسير الشركة والجميع يدخل الى فضاء المصلى متصافحا ومتعانقا ويجلس على الارض متوجها الى الله والى قبلة الله والى بيت الله الحرام ليستمع الى آيات الله وتعاليم الله وحدود الله.
إن الفضاء العام يصبح فضاء اخلاقيا بامتياز؛ خصوصا اذا موقعنا المصلى في مقابل فضاء مقر الشركة او المؤسسة البنكية او البرج التجاري حيث العلاقات الباردة والحسابية والرياضية و ضمور العاطفة و التعاطف؛ حيث الارقام و الصفقات المحايدة انسانيا هي " الإله".
سيبقى مفهوم الفضاء العام في التجربة المدنية الاسلامية غيره في التجارب الحضارية الاخرى خصوصا في التجربة الغربية؛ وسيبقى الانموذج المغربي الاكثر والاعمق تعبيرا عن الخصوصية والتميز؛ فالفضاء العام المغربي يؤلف بين مفردات التطلعات الانسانية في : الرجوع للطبيعة؛ والنظر الى السماء في فضاء بلا سقف؛ و الدخول في الافواج البشرية كتعبير عن ذوبان الانا في الناس( ثم افيضوا من حيث افاض الناس)؛ بالإضافة الى التحية و السلام على من عرفت ومن لم تعرف؛ و بسط اليد بالزكاة و العطاء كتعبير عن التضامن؛ و الجلوس على الارض لان المصلى ليست هي المسجد الذي هو في الاصل مكان مفروش؛ وللجلوس على التراب معاني اهمها التواضع( ولاتمش في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا)؛ و النظر الى القبلة بماهي بيت الله و ارادة وجه الله؛ و اتباع الإمام و عدم التقدم عليه او الذبح قبله او تأخير الزكاة عن وقت صلاته و خطبته في اشارة الى المواطنة المنضبطة وراء ( اولي الأمر ) و السلطان رمز ( الشرعية الروحية الدستورية )..
لقد حاولت التجربة الغربية ان تحاصر الدين وتقلل من فعله وفاعليته في "الفضاء العام" استنادا الى براديغمات فلسفية تدعي تقديم قراءة علمية للدين وتطور التدين في المجتمعات والحضارات؛ حيث ادعى كارل ماركس بأن التدين هروب من مواجهة حقائق الاستغلال الاقتصادي المؤلم..
 وادعى "سيغموند فرويد" ان التدين مظهر لمعاناة "الانا" بين غرائز اللاوعي وبين ضغوط شهوات المجتمع والواقع.
 وادعى "ماكس فيبر" بأن الدين يقدم نظرة سحرية طلاسمية للواقع، سرعان ما ينسفها التفكير العقلاني.. وادعى "ادوارد تايلر" بأن الدين والتدين عبارة عن(بقايا) survivals؛ تشبه "اللقى الجيولوجية" او التحف التي عثر عليها في الحفريات؛ والتي لا تصلح للاستعمال المعاصر رغم أهميتها!! تبدو هذه النظريات الدينية المحاولة لفهم الظاهرة الدينية "صحيحة" ولكن في سياق التجربة المسيحية واليهودية أي ضمن سياق الحضارة الغربية؛ حيث استعمل الدين والكتاب المقدس في شل وتحريم التفكير والاجتهاد ومحاربة العلماء بل واحراقهم؛ ونشر ثقافة صكوك الغفران وسرقة اموال الناس باسم الله وهو ما يسجله القرآن الكريم في قوله تعالى: (إن كثيرا من الاحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله).. ولهذا كانت كل مقاربات المفكرين الغربيين لموضوع "الفضاء العمومي" تتوجس وتتخوف من عودة مظاهر التدين أو رموزه أو تعبيراته أو مصطلحاته الى الفضاء الاجتماعي المشترك؛ والذي ينبغي أن يبقى معانقا للحرية وبعيدا أن كل أشكال التعبيرات المحيلة على المطلق والميتافريزيقا.
غير أن الامر مفارق تماما لتجربتنا وغريب عن خصوصيتنا؛ ففي تجربتنا الاسلامية؛ كان ابن رشد الفيلسوف والفقيه يخرج الى المصلى لأداء صلاة العيد ولا يتحرج من ملاقاة الناس ومعانقة الناس وإن اقتضى الأمر مناقشة الناس!؛ فالفلسفة والتفكير العقلاني عندنا كلاهما ساجدان لله!
والطواف حول الكعبة و - هي الفضاء العام الانساني الاوسع في الاسلام - يتزاحم فيه السياسي والاقتصادي والذكر والانثى والغني والفقير؛ فلا مجال للنظرة الاقصائية او الاستعلائية أو الطبقية.. و شهادة "مالكوم اكس" دالة في هذا السياق؛ فهو المواطن الأمريكي الأسود ابن فترة الستينيات في الولايات المتحدة الامريكية المليئة بالشد والجذب العنصريين؛ فقد أصيب "مالكوم" بالصدمة؛ عندما حج لأول مرة بعد اعتناقه الاسلام؛ ودخل المسجد الحرام و شاهد الانسان الاسود بجانب الانسان الابيض يطوفان حول الكعبة !!.. لم يستوعب عقله كيف يقع هذا؛ وقد تربى في مجتمع امريكي حداثي بخلفية دينية مسيحية يفصل فيه بكل تمييز عرقي وعنصرية مقيتة بين فضاءات عيش واشتغال المواطنين السود وفضاءات المواطنين البيض.
نعم سيبقى الفضاء العام في التجربة الاسلامية؛ وخاصة التجربة "الدينية المغربية" فضاء اخلاقيا بامتياز؛ يخرج الانسان فيه من أنانيته وفردانيته وعزلته التي قد تكون "مائة سنة" نفسية بتعبير ماركوز؛ يخرجه فضاء المصلى للاندماج في الناس، تخرجه المصلى الى المجتمع للاعتراف به والتضامن معه ومبادلته الحب والاحترام..
سيبقى فضاء "مصلى العيد" تلك الذكرى والنوستالجيا التي كبرنا فيها؛ وعشناها فيها.
كنا و نحن صغار؛ نشتري لباسنا الجديد؛ و نضعه قرب رؤوسنا او تحت وسادتنا؛ لنعيش ليلة أرق بلا نوم من شدة الفرح وحرقة الانتظار؛ ننتظر صباح العيد لنقبل رأس أمهاتنا وآبائنا، و نلبس جديدنا، و نحمل سجادتنا، و نطير بدريهمات في اكفنا ندق ابواب جيراننا، فنتوجه جماعات الى فضاء المصلى، نصافح في طريقنا عشرات الاصدقاء والغرباء؛ و نخيط مزهوين بأقدامنا أزقة المدينة التي كنا نخاف ان نلجه طول السنة؛ وها هو العيد؛ وها هي المصلى توطئ لنا الطريق لنسلك كل فج في المدينة بأمن وأمان و حبور وسرور.. 
تبدو المصلى تكثيفا للحظات عمرنا؛ ففيها الوجود والتواجد والاعتراف والسلام والوطن والوحدة والقبلة والطبيعة والجماعة والأمة والدعاء لأمير المؤمنين.
المدينة كلها تجتمع في المصلى. ساحة المصلى تسع الجميع. روحانية المصلى تغشى الجميع..
"مصلى العيد تفرح بأهل المدينة".
هذه الجملة وحدها؛ كافية لننتج آلاف الدراسات عن المفهوم الجديد للفضاء العام الذي ينبغي ان ننظر له، ونبشر به العالم كله؛ مفهوم: (مصلى العيد تفرح بأهل المدينة)..
إنني اتهم متأسفا بان مفكرينا وفلاسفتنا؛ إن لم أقل مخرجي السينما وكل الفنون عندنا؛ بأنهم قصروا كثيرا في خدمة والتنظير (لخصوصيتنا ولهويتنا) و"لكوجيطونا" المغربي الخاص والفريد جدا..
ما هذا الجمال والجلال الذي يجعلني أخرج من بيتي ممسكا يد ابنائي و برفقة زوجتي وانا في أحسن لبس و اطيب عطر وسجادتي على كتفي ( مرفوع الهامة امشي) اوزع السلام والابتسامة على كل العالم ؛ واوزع الدريهات على كل سائل ؛ واوزع الشكر على كل رجل امن يقف منضبطا على طول مسالك المصلى؛ وزوجتي تسلم على هذه وتلك من صويحباتها وجاراتها؛ مشهد من مشاهد تحرير المرأة المغربية بلا عقد و تخرصات فكر التزمت و الاختلاط؛ نصل المصلى فنأخد مكاننا في قبلة المصلى و تتجه النساء بكل ادب الى الجهة المقابلة؛ نظام لا تسهر عليه لجان و لا منظمين؛ تربية تشربها كل مغربي مغربية من أصول الحشمة و "الصواب"..
أ - الخروج الى المصلى كل سنة ينقش في النفس شعورا بوجود " الثابت" في الحياة؛ فهناك لحظات جميلة متكررة تؤبد الشعور الجميل "بالمعنى" بالمفهوم الذي نظر له المفكر والطبيب النفسي "فيكتور فرانكلين" ضحية النازية في كتابه (الإنسان يبحث عن المعنى)..
فالمعنى هو أساس قوة الشخصية وبه يواجه الانسان (المفاجآت المؤلمة) التي يسميها القرآن الكريم " الفتن"" المصيب"..
 إن الخروج الى المصلى ينقش في نفسية الطفل والشاب ذكريات " النضج والمسؤولية والحياء والرحم والمشاركة والوطنية"..
ب - الخروج إلى المصلى علاج للنفس من داء الانطوائية والانعزال القاتل؛ كثيرا ما ينفرد الشيطان ووساوسه بالفرد؛ فيضيق عليه الحياة ويغرقه في دروب التخيلات الرديئة؛
 ويخنقه في اهتماماته الصغيرة وهلاوسه الوهمية.. لكن "الخروج الى المصلى" يعيد للإنسان أفقه الانساني الفسيح؛ وانتماءه الاجتماعي الراسخ؛ فهو يشاهد في طريقه القاصد للمصلى الطفل الصغير والشيخ المتكأ على عكازه؛ والمحروم من المشي مدفوعا بكرسيه المتحرك؛ والاعمى يقوده ابنه والأسرة المجتمعة حول الوالد.. فيعيد النظر في جدوى تدمره وشكواه؛ ويكتشف بحر الاوهام الذي يبتلعه؛ فيكون فضاء المصلى "مصحة نفسية" تعيد اليه ثقته بنفسه وعنفوانه الروحي وتوازنه النفسي..
والنهي عن المنكر والقيام بواجب الحسبة هو اولى الاوليات عند السلطان..
وفي الأخير؛ هاهو الفكر الديني المغربي؛ يبدع مرة أخرى "بنحته وإخراجه وتنزيله" لخطة تسديد التبليغ المرعية ابتداء وانتهاء من مولانا أمير المؤمنين أعزه الله؛ وهي الخطة المبنية على فلسفة دينية تجعل الخطاب الديني والاجتهاد الديني والفعل الديني والفضاء الديني؛ مساهما في تعميم قيم الخير والجمال والنفع والمعروف والسلام؛ وجعل الدين شفاء ورحمة للناس؛ وتوسيع مساحة الحياة الطيبة والمساهمة في التخفيف من عنت وعسر وضيق وغم وهم " الحياة المعاصرة".
*رئيس المجلس العلمي لطانطان



تعليقات الزوّار

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس

اترك تعليقا

إقرأ أيضا