انعكاسات الفساد على المسار التنموي

الفساد في اللغة العربية يعني: التلف، والخلل وإلحاق الضرر بالغير. وفسد الشيء معناه بطُلَ واضمحل، وقد عرفه مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادى في "القاموس المحيط" بأخذ المال ظلماً، وبان المفسدة ضد المصلحة، وقد جاء في اللغة مقابلاً للصلاح، ولفظ الفساد يطلق لغة على حالة الاختلال وفقدان التوازن التي تصاب بها الأشياء المادية والاعتبارية، وهو الاختلال الحاصل في الأنظمة الادارية أو قسم منها.
والفساد ظاهرة كونية لا يخلو منها مجتمع بما فيها المجتمع الإسلامي رغم ان الدين الحنيف يحثنا على الفضيلة والطهر والعفاف والنزاهة.
فالفساد منتشر في كل المجتمعات، وكل دول العالم تشكو من هذه الظاهرة التي تقوض الأمن الاجتماعي والأداء الإداري، وتعرقل تنزيل البرامج التنموية، والمغرب ليس استثناء، فهو يعج بالمفسدين كما لا يخلو من الصالحين والشرفاء والنزهاء وذوي الايادي النظيفة.
فساد سلوك الافراد وانحرافهم يمكن زجره بعقوبات سالبة للحرية، للحد من خطورتهم على المجتمع وعلى الافراد وممتلكاتهم، الا أن الفساد الإداري الذي يقوم على تسخير السلطة لخدمة أهداف شخصية، والفساد المالي المشجع على الإثراء غير المشروع يساهمان بشكل مباشر في تدمير الأسس الاقتصادية للدولة، ويهددان قيام المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، ويكرسان سلوكات تعكس الاستهتار بالقوانين وتقضي على مظاهر الشفافية والمنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص.
وعلى المستوى السياسي ينخر الفساد كيان الدولة، ويكرس روح النقمة والانتقام داخل المجتمع، وثقافة عدم الثقة في القوانين والمؤسسات، بشكل يؤثر سلبا على أمن واستقرار الدولة، ويعرقل كل تغيير أو إصلاح حقيقي على طريق بناء دولة الحق والقانون، وتحقيق الديمقراطية، وإرساء مبدأ المساواة بين المواطنين، وهو ما يجعل منه عاملا أساسيا في مصادرة الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وتقويض كيان الدولة والمجتمع، وزرع القلاقل والبلبلة وعدم الاستقرار المجتمع.
ما دفعني للبحث عن معنى كلمة فساد في قواميس ومعاجم اللغة العربية ، لاستهل بها افتتاحية هذا العدد هي استقالة مصطفى الخصم، من رئاسة المجلس الجماعي لإيموزار كندر، بعد ان فاض به الكيل ووصل الأمر الى حالة "بلوكاج" مقصود ومتعمد، حال دون تنفيذ المشاريع التي تم إطلاقها سابقًا، موجها اتهامات مباشرة لجهات معينة تعمل جاهدة على عرقلة هذه المشاريع، حيث أكد هو نفسه انها لا تستهدفه شخصيًا، بل تعرقل فرص تحسين ظروف عيش الساكنة، و تحرمهم من الاستفادة من المبادرات التنموية ، وعلل قرار تنحيته عن منصبه من منطلق الحرص على مصلحة المدينة وساكنتها.
قرار الاستقالة وتعليلها لم يأت من سياسي محنك خبر دواليب الإدارة وتمرس على أساليب تدبيرها، وصرف أمولا طائلة على حملاته الانتخابية ليتربع على كرسي الرئاسة وما يصاحبه من امتيازات سواء كوضع اعتباري أو آمر بصرف الميزانية، بل جاء من بطل عالمي سابق في الكيك بوكسينغ، مع ما تعنيه القاب بطولات هذا النوع من الرياضة من خصال وشيم، فضلا عما يجنيه حائزها من مغانم ومكاسب وأموال تؤمن له ولأحفاد أحفاده رغد العيش. واختياره لدخول المعترك السياسي وخوضه غمار الانتخابات في موطنه الأصلي جاء نابعا من إيمانه الراسخ وقناعته الشخصية بضرورة استثمار مداركه وعلاقاته لخدمة بلده، إلا أنه اصطدم بمعاول الهدم، وجيوب المقاومة لكل المبادرات الرامية الى ترسيخ قيم الفضيلة والمواطنة الحقة، وتخليق الحياة العامة وخدمة الصالح العام بنزاهة واخلاص. جاءت استقالة لخصم من منصب رئاسة جماعته الترابية لتعري عن واقع مرير للفساد الذي عشش وتفشى، وكشف عن معاناة الشرفاء ذوي الطوية السليمة الذين فضلوا النأي بأنفسهم عن الانخراط في اتون مجال موبوء.
دواعي استقالة لخصم حسب تصريحاته وراءها اشخاص الفوا الرضاعة من ضرع البقرة الحلوب، واعتادوا على نيل نصيبهم من كعكعة الميزانيات المخصصة لتنفيذ المشاريع، وهي إشارات بالواضح للفساد المستشري في غالبية دواليب الإدارة المغربية، وخير دليل على ذلك عدد المنتخبين والمسؤولين الذين أحال المجلس الأعلى للحسابات ملفاتهم على القضاء، بعد الوقوف على الاختلالات والتجاوزات التي شابت تدبيرهم للشأن المحلي.
عشرات الملفات قرر القضاء الإداري عزل المتابعين فيها بعد التأكد من تورطهم في اختلالات إدارية ومالية تتعلق بتدبير المجالس الجماعية التي ائتمنوا على تسييرها، والتي على اثرها أحال وزير الداخلية ملفاتها على الوكيل القضائي للمملكة من أجل مباشرة مسطرة العزل في حق عدد من الرؤساء، فيما أحال ملفات أخرى على رئاسة النيابة العامة، تتضمن اختلالات تكتسي طابعا جنائيا، ومن المنتظر إحالة هذه الملفات على محاكم جرائم الأموال لمتابعة المتورطين فيها بتهم تتعلق بتبديد واختلاس أموال عمومية، هذا فضلا عن إحالة الوزارة بعض التقارير التي توصلت بها من طرف المجلس الأعلى للحسابات على أنظار المفتشية العامة للإدارة الترابية، وقد أظهرت تقارير لجان التفتيش أن جل الجماعات تعرف اختلالات مالية وإدارية خطيرة تستدعي إعادة النظر في النخب التي ترشحها الأحزاب السياسية لتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام.
خلاصة القول، للفساد بمختلف تجلياته ومظاهره خطورة بالغة بالنظر الى تكلفته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الكبرى، وانعكاساته السيئة على المسار التنموي، ولذلك أضحت مكافحته وتخليق الحياة العامة مطلبا شعبيا آنيا وملحا.
تعليقات الزوّار
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس