لي غلب يديها ولي غلب يعفو

لي غلب يديها ولي غلب يعفو
بقلم: هشام الضاوي 08 مايو 2025

العنف لا يأتي من فراغ، إنه نتيجة لتراكمات نفسية واجتماعية أحيانا اقتصادية وسياسية، عندما يتعلق الأمر بالحروب والمعارك التي كانت معارك رجال وأسلحة تقليدية، ثم باتت معارك جبناء وأسلحة متطورة وفتاكة.
عبر العصور تطورت لدى البشر ممارسات قبل و أثناء الحروب و بعدها، و هي تشبه تعامل الإنسان مع العنف على المستوى الفردي ، نوع من الاتفاق الجماعي على عدم قتل الأسرى مثلا ، و كذا الالتزام بالهدنة في ظروف معينة ثم معاودة الاقتتال من جديد،  فظهرت لنا أمثلة فريدة من التاريخ على أقسى درجات الإنسانية حتى وسط الحروب،  أبرزها في تاريخنا هو صلاح الدين الأيوبي رفقة جيشه المكون ثلثه من المغاربة فاتحين القدس،  مقدمين طريقا آمنا لمن أحب المغادرة من النصارى و باقي الأديان، و عدم التعرض لمن أراد البقاء، عكس الحروب الصليبية التي كانت متعطشة لسفك الدماء، و كان سببها بالأساس مجاعة الأوروبيين آنذاك، و تعطش الكنيسة إلى المال و الذهب، بينما كان الرد من طرف التحالف الذي ضم الآلاف من خيرة جيش السلطان أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي قدس الله سره، حتى أهداهم صلاح الدين باب المغاربة و الحي المغربي الذي مازال يرفرف أمامه العلم المغربي إلى يومنا هذا، رغم قيام دولة اسرائيل بفضل حنكة و دهاء الراحل  المغفور له الملك الحسن الثاني ، دليل آخر على الحفاظ على إرث الأجداد والتأكيد على أن لنا دائما أصبع حول المسجد الأقصى، وأن هناك مغاربة فلسطينيين كما أن هنالك في الجانب الآخر مغاربة يهود و ليس يهود مغاربة كما تعودوا عليها في تسمياتهم، حتى  إن ترعرعوا في بلاد أخرى فإننا نتقاسم نفس جينات الرجال الذين يعرفون متى يقفون أمام الظلم، بشتى الطرق حسب الإمكانيات في ظروف القوة و حتى في ظروف الضعف، عرف المغرب كأمة تاريخيّة كيف يروي حروبه بقصص خالدة لمعارك هي أم المعارك ضد الظلم، كمعارك وادي اللبن ، الأرك ، الزلاقة ، وادي المخازن… إلى أن استعملت ضدنا القنابل و المدافع في معركة إيسلي، معززين بفيالق من عساكر "سلغان"  و بعض عناصر الحركي الجزائريين ، الذين شاركوا أيضا في ما يسمى بحروب التهدئة و التي عرفت مقاومة رهيبة لرجال بعتاد تقليدي ضد الآلة الهمجية  لجيوش الجياع و الجبناء الفرنسيين و من والاهم آنذاك ، غير أننا نتفق نحن و الجزائريون الأشراف في كرههم للحركي ، فليعلموا أن من حارب المغرب تاريخيا مع عدو أجنبي هم الحركي و أبناؤهم الذين يحكمون حاليا الدولة في الجزائر، و دورهم الوظيفي في العالم من أجل كبح جماح المغرب الذي يريد أن ينفض جناحيه ليعود امبراطورية من جديد، قوية بأسلحة تتماشى مع العصر، لأنه فرض علينا دخول حرب الجبناء رغم أنها هي بدورها نعيش ظروفها متشبثين بأخلاق الفرسان ، فلا نعتدي رغم قوتنا الحالية، لكننا نلتزم بما اتفقت عليه الإنسانية من قانون دولي، لتفادي القتال والعنف الذي يؤمن به المغرب الذي عرف أيضا كيف يوظف لغة المصالح المشتركة للتقدم إلى حل مشكل الصحراء  الساحلية بصفة نهائية، و التوجه إلى استكمال ما تبقى من وحدة أراضي الإمبراطورية الشريفة التاريخية ، بما فيها حكم ذاتي للصحراء الشرقية تندوف و بشار، على غرار الحكم الذاتي المنشود في صحراء الساحل المغربية تحت السيادة المغربية الكاملة بدون رموز خاصة، و لم لا انضمام شنقيط و استثناؤها بالحفاظ على رايتها  مع كونفدرالية دول السهل بوركينافاصو و مالي و النيجر في  تحالف يتزعمه المغرب على جميع الأصعدة . 
 قد أبدو ابتعدت عن موضوع العنف وجدليته لكن المغرب كان دائما يفهم حروب الرجال ويجنح للسلم في حالة القوة (لي غلب يعفو) ويقاوم في حالة الضعف مع الاستعداد الدائم ومحاولة العودة إلى وضع أقوى كل مرة. 
لقد مررنا في تاريخنا الحديث من جميع مراحل القتال من مقاومة مسلحة غير نظامية وحروب عصابات ، إلى جيش تحرير منظم،  وبعدها إلى قواتنا المسلحة الملكية التي سبرت أغوار حروب تاريخية من الصراع مع إسرائيل بسيناء والجولان، الى حروب الجيران، وكذا مهمات حفظ السلام في بؤر متوترة من العالم، لكننا صنعنا مجدنا بالسلم في ملحمة المسيرة الخضراء.
و في إطار جنوح المجتمعات الإنسانية إلى السلم، تطورت الألعاب الأولمبية بما فيها كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية و تأثيرا على الشعور الجمعي البشري، لذلك تشكلت فلسفة جديدة لحروب الرجال عن طريق اللعب، و الاستعداد الجيد،  و الممارسة منذ أصبحت مباراة كرة القدم كميدان قتال بين دروب و احياء و مدن و بلدان توازيا مع المنافسة على الأصعدة الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و السياسية ، مناسبة لحسم الأمور على الملعب،  لكن بلعب مهاري،  و حس رياضي يذكرنا بشهامة الفرسان (و لي غلب يديها)، المغرب فهم هذه القاعدة و أصبح يستغل الوجدان الجمعي في الفوز بالمباريات تحت مفهوم النية،  بدل العكس الذي تقوم به الأنظمة الديكتاتورية التي تستغل  كرة القدم في تخدير و تنويم شعبها، و تمرير شعارات على حساب روح اللعبة، لذلك لم تبخل الدولة على ورش كرة القدم و أهميته على جميع المستويات وجعلته قاطرة للتنمية، فأهم الفتوحات جاءت بعد وصول المغرب إلى نصف نهائي كأس العالم بقطر،  كفتوحات الأمس عندما عبر طارق بن زياد إلى الأندلس برجاله منتصرا، و حتى حينما أوقفنا شارل مارتل جد امبراطور أوروبا شارلمان في معركة بواتييه بفرنسا توازيا مع فوزنا على إسبانيا و البرتغال،  و إيقافنا على يد ماكرون و فرنسا لكن بطرق غير رياضية ، بعدها في اليوم الموالي زارت وزيرة خارجية فرنسا حينها المغرب لتلطيف الأجواء، و اعترفت إسبانيا دون عناء لتقرر فرنسا الاعتراف بدورها، و يحظى المغرب بتنظيم كأس العالم  2030 مع إسبانيا و البرتغال ،  ما كان يشكل امتدادا للإمبراطوريات المغربية في الأندلس أرقى حضارة إنسانية عرفها التاريخ بعلومها و آدابها و مجدها و انفتاحها، قبل الدخول في حروب الاسترداد و تهجير المور و اليهود إلى المغرب عبر محاكم التفتيش الظالمة، و بعدها مرحلة إبادة سكان أمريكا الجنوبية على يد" conquistadors " لذلك خرج من كنف البرازيل و الأرجنتين بعض أعظم لاعبي كرة القدم عبر التاريخ، كما خرج من كنف ألمانيا التي شهدت اغلب حروب أوروبا مدرسة كروية لا يختلف إثنان عنها، و كذا إيطاليا وريثة مجد الإمبراطورية الرومانية بأسلوبها المميز،  دون نسيان ذكر مهد كرة القدم إنجلترا الإمبراطورية التي لم تغب عنها الشمس، و هولندا الذين كانوا أسياد البحار لذلك لم يفوزوا و لن يفوزوا أبدا بكأس العالم رغم قوتهم، و فرنسا الاستعمارية التي مازالت تحتاج لعساكر "السلغان"  من لاعبين ذوي أصول إفريقية ، لكن في مونديال قطر تخلى عنهم كريم بنزيما الحاصل حينها على الكرة الذهبية، ليرفض أن يكون امتداداً للحركي لديها و قرر التوبة و اللعب في السعودية قريبا من بيت الله الحرام. 
 كرة القدم ليس فقط جوابا للعنف عبر القتال الرجولي داخل رقعة الملعب بدل الحرب، بل هي أيضا ترددات كونية يخلقها الشعور الجمعي فتأثر بطريقة أو بأخرى على المعيش اليومي ومصير الدول، تركيا وريثة الإمبراطورية العثمانية لم تكن كما هي اليوم إلا بعد وصولها لنصف نهائي كاس العالم 2002  . 
   كما أن حصول ميسي (المسيح باللغة العربية) على الكأس المقدسة كان ايضا هدية لبابا الفاتيكان فرانسوا الأول ذي الأصول الأرجنتينية الذي توفي مؤخرا، كما كان تنظيم كأس العالم بإفريقيا الجنوبية هدية لنلسون مانديلا.
نتمنى أن يمدد الله في عمر سيدنا حتى يرى حلم الأمة حقيقة بلعب جميل ونظيف ونهائي تاريخي بين المغرب وإسبانيا من أجل توحيد الأندلس والمغرب حول كرة القدم. مما يجعلها مفتاحا لحل الخلاف حول المدن و الجزر المحتلة ، خصوصا على المستوى الرمزي واحد من أبناء مليلية المحتلة ابراهيم  دياز يختار اللعب لبلد جيناته الأصلية،  كمن يقول سبتة و مليلية و باقي الجزر مغربية ، بينما مغربي بأم من غينيا إحدى مناطق النفوذ القديمة للمغرب اختار اللعب لإسبانيا كمن يقول لا تقلقوا هي أيضا كانت تابعة للمغرب، مما جعلنا نشجع إسبانيا في كأس الأمم الأوروبية الأخيرة لتفوز بها بسبب تداخل الجينات فيما بيننا،  نحب فرق إسبانيا لكرة القدم و نعيش على وقع الصراع بين ريال مدريد و برشلونة ، لذلك أتمنى نهائيا حارقا بين هذين اللاعبين في سنة 2030 ............."ولي غلب يديها".



تعليقات الزوّار

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس

اترك تعليقا

إقرأ أيضا