قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي 2024.. فرصة ذهبية لتعزيز الشراكة المغربية الصينية

تحت شعار:" التكاتف لتعزيز التحديث وبناء مجتمع صيني إفريقي بمستقبل مشترك"، استضافت بكين قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي (FOCAC) في الفترة الممتدة من 4 إلى 6 سبتمبر الجاري. تجمع القمة زعماء الدول الإفريقية والصين وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية، مما يجعلها منصة هامة لتعزيز التعاون بين الجانبين. تعتبر القمة فرصة لتعزيز الشراكة المغربية الصينية، حيث يسعى المغرب لتنويع شركائه الدوليين لتحقيق مصالحه الاقتصادية والسياسية، من خلال التعاون مع الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، الصين، والدول الإفريقية. هذه السياسة تتيح للمغرب الاستفادة من الفرص العالمية وتعزيز مكانته الدولية.
لمحة تاريخية عن العلاقات المغربية الصينية
تعود العلاقات المغربية الصينية إلى قرون عديدة، حيث كانت الصين وجهة هامة للتجار والرحالة المغاربة. من أبرز الشخصيات التاريخية التي زارت الصين الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة، الذي وصل إلى ميناء تشوانتشو في عام 1345. خلال زيارته، أبدى إعجابه ببراعة الفنانين الصينيين في صنع اللوحات وإبداعهم في رسم الأجانب القادمين حديثًا، كما لاحظ استخدام العملات الورقية ووصف طريقة صنع السفن الكبيرة في مدينة غوانغشتو.
بدأت العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين في الأول من نوفمبر 1958، ومنذ ذلك الحين شهدت العلاقات تطورًا ملحوظًا في مختلف المجالات. في العصر الحديث، لعب السفير المغربي عزيز مكوار دورًا بارزًا في تعزيز العلاقات الثنائية، حيث أكد على التزام المغرب بسياسة “الصين الواحدة” ودعم التعاون المتعدد الأبعاد بين البلدين.
كما أن الشاي الأخضر الصيني، المعروف بشاي البارود Gunpowder Tea، يلعب دورًا أساسيًا في صناعة الشاي المغربي التقليدي بالنعناع. يتم استيراد الشاي الأخضر من الصين منذ القرن التاسع، ويعتبر جزءًا لا يتجزأ من الثقافة المغربية.
تطور العلاقات في العصر الحديث
في السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات المغربية الصينية تطورًا ملحوظًا بفضل مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها الصين في عام 2013. وقع المغرب والصين اتفاقية لتعزيز التعاون في إطار هذه المبادرة في يناير 2022، مما فتح آفاقًا جديدة للتعاون في مجالات البنية التحتية، التجارة، والاستثمار. كما أن زيارة جلالة الملك محمد السادس إلى الصين في عام 2016 كانت نقطة تحول هامة، حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات التي عززت الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
تعتبر العلاقات المغربية الصينية نموذجًا للتعاون جنوب-جنوب، حيث يسعى البلدان إلى تعزيز الشراكة في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصاد، الثقافة، والتعليم. وقد أثمرت هذه العلاقات عن زيادة حجم المبادلات التجارية والاستثمارات المتبادلة، مما يعزز من مكانة المغرب كوجهة استثمارية هامة للصين في إفريقيا.
مكاسب المغرب من المشاركة في القمة يمكن للمغرب جذب استثمارات صينية كبيرة في مشاريع البنية التحتية مثل الطرق، الموانئ، والسكك الحديدية، مما يعزز من قدراته الاقتصادية ويجعله مركزًا إقليميًا للنقل والتجارة. مثال على ذلك، مشروع ميناء طنجة المتوسط الذي أصبح أحد أكبر الموانئ في إفريقيا بفضل الاستثمارات الأجنبية. زيادة صادرات المغرب إلى الصين، خاصة في المنتجات الزراعية والصناعية، ستعزز الاقتصاد الوطني وتخلق فرص عمل جديدة. يمكن للمغرب تعزيز صادراته من الفوسفات والمنتجات الزراعية مثل الزيتون والحمضيات إلى السوق الصينية.
تعزيز قطاع السياحة من خلال جذب المزيد من السياح الصينيين يمكن أن يساهم في زيادة الإيرادات السياحية. المغرب يتمتع بمقومات سياحية فريدة، ومن خلال التعاون مع وكالات السفر الصينية وتنظيم حملات ترويجية مشتركة، يمكن زيادة عدد السياح الصينيين وتحقيق نمو مستدام في هذا القطاع.
في المجال الصحي، يمكن للمغرب تعزيز التعاون مع الصين كما حدث خلال جائحة كوفيد-19. إنشاء وحدة لتعبئة وتصنيع لقاح كوفيد-19 بالتعاون مع شركة Sinopharm الصينية هو مثال حي على هذا التعاون المثمر. يمكن للمغرب الاستفادة من الخبرات الصينية في مجالات الطب التقليدي والتكنولوجيا الصحية.
في مجال الأمن والدفاع، يمكن للمغرب الاستفادة من الخبرات الصينية في مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن السيبراني، بالإضافة إلى التعاون في التدريب العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية، مما يعزز القدرات الدفاعية للمغرب.
يمكن كذلك للمغرب الاستفادة من التجربة الصينية في تحلية مياه البحر. الصين تمتلك تقنيات حديثة لتحلية المياه باستخدام التناضح العكسي والغشاء الرقيق من البوليستر، مما يعزز كفاءة العملية ويقلل من استهلاك الطاقة. يمكن للمغرب تطوير محطات تحلية مياه البحر لتلبية احتياجاته المائية المتزايدة وتقليل الاعتماد على الموارد المائية التقليدية.
تعزيز التعاون التكنولوجي والثقافي بين المغرب والصين: فرص وتحديات
يمكن للمغرب الاستفادة من التكنولوجيا الصينية المتقدمة في مجالات مثل الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا الحيوية، والتعليم. برامج التبادل والتعاون المشترك ستساهم في نقل المعرفة والتكنولوجيا إلى المغرب، مما يعزز من قدراته التكنولوجية والتعليمية. على سبيل المثال، يمكن للمغرب الاستفادة من التجارب الصينية في تطوير مشاريع الطاقة الشمسية والرياح، مما يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
يشهد التعاون الثقافي والتعليمي بين المغرب والصين تطورًا ملحوظًا، حيث يمكن للبلدين تعزيز هذا التعاون من خلال تنظيم برامج تبادل ثقافي وأكاديمي. يمكن للجامعات المغربية والصينية إقامة شراكات أكاديمية وتبادل الطلاب والباحثين، مما يساهم في تعزيز التفاهم المتبادل ونقل المعرفة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تنظيم فعاليات ثقافية مشتركة لتعزيز التفاهم الثقافي بين الشعبين.
في السنوات الأخيرة، شهدت الجامعات المغربية إقبالاً متزايدًا من الطلبة على تعلم اللغة الصينية. على سبيل المثال، ارتفع عدد الطلبة في معهد كونفوشيوس بجامعة محمد الخامس بالرباط من 60 طالبًا عند تأسيسه إلى حوالي 1400 طالب في عام 2017 . هذا الإقبال يعكس الاهتمام المتزايد بتعلم اللغة الصينية نظرًا لأهمية الصين الاقتصادية والتكنولوجية.
أما بالنسبة للطلبة المغاربة في الجامعات الصينية، فقد ارتفع عددهم بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. تُعد الصين وجهة دراسية مفضلة للعديد من الطلبة المغاربة بفضل جودة التعليم والتخصصات المتنوعة المتاحة، خاصة في مجالات العلوم والتكنولوجيا. وفقًا لبيانات وزارة التعليم الصينية، كان هناك أكثر من 15 ألف طالب عربي يدرسون في الصين قبل جائحة كورونا، ومن بينهم عدد كبير من الطلبة المغاربة.
موقف الصين من قضية الصحراء المغربية: دعم مستمر للحل السياسي
تواصل الصين دعمها الثابت لمسار الحل السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة بشأن قضية الصحراء المغربية. وتؤكد الصين على أهمية احترام قواعد القانون الدولي في تسوية النزاعات، وتدعم جهود الأمم المتحدة لتحقيق حل سياسي عادل ودائم لهذه القضية. أكد السفير الصيني في المغرب، لي تشانغ لين، أن الصين تصوت بانتظام لصالح قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالصحراء المغربية، بما في ذلك تمديد مهام بعثة المينورسو. كما أعرب عن تقدير الصين للدعم المغربي لوحدة الصين الترابية، مما يعكس العلاقات القوية والتاريخية بين البلدين. تتبنى الصين موقفًا محايدًا من النزاع حول الصحراء المغربية، بما في ذلك موقفها من جبهة البوليساريو. وتدعم الصين جهود الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي متوافق عليه لهذا النزاع الإقليمي، مع التأكيد على احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها.
لا يمكن للبوليساريو المشاركة في قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي
أصدر الاتحاد الإفريقي قرارًا بعدم إشراك سوى الأعضاء الذين يعترف بهم المجتمع الدولي في المنتديات الدولية والإقليمية التي يشارك فيها الاتحاد. تتبنى الصين موقفًا واضحًا من الحركات الانفصالية، نظرًا لوضعها الخاص مع تايوان. بالإضافة إلى ذلك، لديها مصالح اقتصادية واستثمارية كبيرة مع المغرب، مما يجعلها تتجنب أي خطوة قد تؤثر على هذه العلاقات.
رغم محاولات الجزائر للضغط على الصين لدعوة البوليساريو، إلا أن هذه المحاولات غالبًا ما تبوء بالفشل بسبب العوامل المذكورة أعلاه. من المحتمل أن تحاول الجزائر مرة أخرى إقحام البوليساريو في المنتديات الدولية، كما فعلت في قمة تيكاد في طوكيو. تسعى الجزائر دائمًا لدعم البوليساريو على الساحة الدولية، رغم الهزائم الدبلوماسية التي تعرضت لها. ومع ذلك، من غير المرجح أن تنجح هذه المحاولات في المستقبل القريب، نظرًا للمواقف الثابتة للدول المضيفة مثل اليابان والصين، التي ترفض الاعتراف بالبوليساريو ككيان مستقل. بالإضافة إلى ذلك، أصدر الاتحاد الإفريقي قرارًا بعدم إشراك سوى الأعضاء المعترف بهم دوليًا في المنتديات الدولية.
تعتبر العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية بين الصين والمغرب من العوامل الرئيسية التي تعزز موقف الصين الداعم للحل السياسي. فالصين تستثمر بشكل كبير في مشاريع البنية التحتية والطاقة في المغرب، مما يعزز من أهمية الحفاظ على علاقات مستقرة وقوية بين البلدين. تلعب الصين دورًا دبلوماسيًا متوازنًا في النزاعات الإقليمية، وتسعى دائمًا لتعزيز السلام والاستقرار من خلال الحوار والتفاوض. ويعكس موقفها من قضية الصحراء المغربية التزامها بمبادئ الدبلوماسية المتعددة الأطراف واحترام السيادة الوطنية.
سيشارك المغرب بفعالية في قمة FOCAC لعام 2024، حيث يعتبر شريكًا مهمًا للصين في إفريقيا. يسعى المغرب من خلال هذه المشاركة لتعزيز التعاون في مجالات الأمن، التنمية الاقتصادية، والتبادل الثقافي، مما يعزز دوره كجسر بين إفريقيا والصين. تمثل القمة فرصة ذهبية لتعزيز الشراكة المغربية الصينية والاستفادة من الفرص الاقتصادية والتكنولوجية. من خلال سياسة تنويع الشركاء الدوليين، يسعى المغرب لتحقيق مصالحه الوطنية وتعزيز مكانته الدولية. تعكس المشاركة الفعالة التزام المغرب بالتعاون الدولي والتنمية المستدامة، مما يساهم في بناء مستقبل مشترك أكثر ازدهارًا واستقرارًا، ويساهم في تحقيق رؤية المغرب 2030 للتنمية المستدامة وتعزيز دوره كقوة إقليمية في إفريقيا.
تعليقات الزوّار
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس