استهداف صورة المؤسسة الملكية: انحدار بلا مكابح نحو الهزيمة والتشظي

استهداف صورة المؤسسة الملكية: انحدار بلا مكابح نحو الهزيمة والتشظي
بقلم: البراق شادي عبد السلام 28 أغسطس 2025

"حجر الزاوية في الدفاع عن مغربية الصحراء هو وحدة الجبهة الداخلية والتعبئة الشاملة لكل المغاربة، أينما كانوا، للتصدي لمناورات الأعداء"
الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب.
في تاريخنا الحديث عشنا كمغاربة مفهوم التعبئة الشاملة للشعب المغربي بطلب من المؤسسة الملكية في المسيرة الخضراء، عندما خاطب الملك الراحل الحسن الثاني شعبه بضرورة الالتفاف حول مقدساته الوطنية، وتنظيم مسيرة شعبية لتحرير أرضه من الاستعمار الإسباني، لوأد مؤامرة تقسيم المغرب وفصل أقاليمه الجنوبية عن الوطن، الشعب المغربي بشكل تلقائي لبى النداء وكانت ملحمة المسيرة الخضراء وعودة الأقاليم الجنوبية لحوزة الوطن.
المسيرة الخضراء بفلسفتها الوحدوية واكبتها عملية توحيد للجبهة الداخلية و التي عرفت في الأدبيات السياسية المغربية " بالإجماع الوطني" عندما تركت الأحزاب الوطنية ( أجدد الاحزاب الوطنية ) خلافاتها  جانبا مع الراحل الحسن الثاني و انخرطت في معركة التحرير؛ توحيد الجبهة الداخلية كان سندا كبيرا للمغرب الجديد بعد 1975 للصمود ضد مخطط إسقاط الدولة بإدخالها في مؤامرة حرب استنزاف في الصحراء المقدسة و الانتصار فيها رغم التحديات الداخلية المزمنة بل استطاع المغرب بحكمة مبدع المسيرة و بروح فلسفتها أن يكمل مشروع الأمن المائي عبر إستراتيجية السدود  التي بها يضمن المغرب اليوم الأمن المائي و جزءا كبيرا من أمنه الغذائي في سنة 2025 .
اليوم توضح بالملموس وبشكل مفضوح أن الدوائر الدولية المعادية للوطن تصر على استحضار معاني الاستعمار والتبعية وتحاول استهداف الأمن القومي للمغرب واستقراره مستخدمة بعض الوجوه البئيسة من معارضة اليوتوب ومجموعة من العملاء في الداخل من تجار الأزمات ومتلاشيات الفكر العدمي التيئيسي.
إستقرار الدولة المغربية ونجاح المحطات السياسية الداخلية وإسقاط بقايا الخريف العربي بشكل شعبي وديمقراطي أربك حسابات الخصوم، استهداف الرباط العاصمة اليوم صار غاية تجمع أطرافاً دولية عديدة على اختلاف مصالحهم، يظنون إن محاولة إشعال بؤر احتجاجية اجتماعية أو استخدام حملات إلكترونية منظمة ونشر اخبار زائفة أو تقارير حقوقية مفبركة سيعيد الروح إلى توازنات ما يسمى بالخريف العربي لإعادة رسم الخارطة الإقليمية وفق أهوائهم ومصالحهم.
حسابات خبراء "الجيل الرابع للحروب " في "المختبرات السياسية" كانت خاطئة ، المايسترو المغربي يراقص الأفاعي في لعبة إستراتيجية دقيقة و معركة تكسير العظام بدأت و بشراسة ضد المملكة الشريفة ، الأعداء في الداخل و الخارج مصرون على عدم السماح للمغرب بالسير قدما في مسار التنمية ، معارك ديبلوماسية طاحنة يخوضها رجالات المغرب بمختلف العواصم المؤثرة في القرار العالمي حفاظا على مصالح الشعب المغربي العليا بهدف تضييق الخناق و ضبط رقعة الشطرنج التي يتحرك فيها  المرتزقة و عملائهم، المغرب مسلحا بعدالة الموقف المغربي و صوابية قراراته و  بديبلوماسية الصمت الإستراتيجي و الثبات الانفعالي و الرد المناسب في الزمكان المناسب أربك الجميع ، لأنه يقدم صورة لدولة بمؤسسات قوية ذات أمن سيادي راسخ بظهير شعبي متماسك يقودها ملك حكيم مؤمن بعدالة القضية وفق نسيج مجتمعي يصعب اختراقه، مما يجعل محاولات الاختراق والتسلل والبروباغاندا  التي يشنها الخصوم مصيرها الفشل .
لعبة التوقيت هي مهمة جدا و المغرب دقق ساعته الديبلوماسية على الزمن السياسي للعاصمة الرباط و التمكن من المعلومة الدقيقة و استخدامها مكنه من وضع خط أحمر مغربي صارم بمبدأ واحد هو الموقف الواضح الصريح الغير قابل للتأويل من الوحدة الترابية للمملكة ثم إرساء قواعد الاشتباك وفق مصالح المغرب العليا  ، اليوم مع النجاحات " السيادية  " التي حققها المغرب في ملف الوحدة الترابية و تمدد الديبلوماسية المغربية المتعددة الأطراف  خدمة لمصالح الشعوب وفق مبدأ رابح / رابح فقد ارتفعت وتيرة الهجوم و استخدام حملات التشكيك و التشهير و نشر خطاب التيئيس و العدمية للتأثير على الروح الوطنية و اختراق الشعور القومي للمغاربة .
آخر هذه المحاولات، التي اتسمت بفظاظة بالغة وخبث مكشوف وبأسلوب وضيع، هي محاولة المساس بالرمزية الوطنية للمؤسسة الملكية. هذه الأفعال لا تعدو كونها دليلاً صارخًا على إفلاس الأجندات المعادية ويأسها، حيث تكشف عن جهل عميق وسوء تقدير فادح لطبيعة العلاقة الفريدة والراسخة بين العرش العلوي والشعب المغربي، والتي تقوم على الولاء والإخلاص. حيث تُعدّ هذه العلاقة، التي يمتد عمقها إلى قرون من التاريخ المشترك، حجر الزاوية في بناء الهوية الوطنية، فهي ليست مجرد رابط سياسي، بل هي نسيج اجتماعي وثقافي متجذر ويمثل ركيزة أساسية في بناء الوعي الجمعي للأمة المغربية. وكل محاولة لزعزعة هذه الركيزة مصيرها الفشل الذريع، لأنها تصطدم بحائط من التلاحم والوفاء الذي أثبت عبر التاريخ قدرته على تجاوز كل الأزمات والتحديات. هذه الأجندات، ببساطتها الفجة، تفشل في استيعاب أن ملك المملكة المغربية ليس فقط شخصية سياسية أو منصب دستوري، بل هو تجسيد حي لسيادة الأمة المغربية بتاريخها المجيد واستمراريتها واستقرارها، فهذا الارتباط يمتد إلى البيعة الشرعية التي تربط بين جلالة الملك، بصفته أمير المؤمنين، والشعب، مما يمنح الملكية الشرعية التاريخية والدينية التي لا تقتصر على الجانب السياسي فقط. هذا البُعد جعل المؤسسة الملكية المحور الذي تدور حوله تطلعات الشعب المغربي. وفي ظل التحولات الحديثة، أصبحت المؤسسة الملكية أيضًا المرجعية التحكيمية العليا التي تضمن التوازن بين السلطات وتحمي المكتسبات، كما أنها محرك أساسي للتنمية وعدم فهم هذه الأبعاد المتشابكة هو ما يدفع الأجندات المعادية إلى ارتكاب أخطائها الفادحة، فهي تتعامل مع المؤسسة الملكية كأداة سياسية قابلة للزعزعة، بينما هي في الحقيقة أيقونة وطنية ومكون أساسي في تشكيل هوية الأمة المغربية.
إن الرد الاستراتيجي للمملكة الشريفة إزاء هذا العبث هو الالتفاف حول العرش العلوي المجيد والمؤسسات الإستراتيجية وتنزيل مضامين وتوصيات النموذج التنموي الجديد والانخراط في أوراش التنمية المستدامة. هذا المسار لا يمثل مجرد خيار اقتصادي، بل هو درع حقيقي لمواجهة الأجندات المعادية من خلال تعزيز قوة الدولة من الداخل، بناءً على الرؤية الملكية المتبصرة التي تضع التنمية في صلب أولويات الأمة. فالتركيز على الحكامة الرشيدة في التدبير، والعمل على حماية الأمن والاستقرار، يضمن بناء دولة قوية تستند إلى صلابة وحكمة مؤسساتها السيادية والاستراتيجية العصية على الاختراق.
المغرب الدامج والمتضامن والمزدهر والجريء والمستدام، تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، لن يتحقق إلا من خلال الالتزام التام والدقيق بالرؤية الملكية المتبصرة والتعبئة الشاملة لكل قوى المجتمع الحية من خلال تعزيز دور رأس المال البشري، وتفعيل دور الشباب، وإشراك مختلف الفاعلين والمتدخلين وأصحاب المصلحة في الأوراش الكبرى. مما يتطلب التزام الفاعل السياسي بالخيار التنموي الشامل، والابتعاد عن المعارك السياسوية والانتخابوية الجانبية التي تؤثر حتماً في الزمن التنموي، وتشتت الجهود الوطنية عن معركتها الحقيقية وهي معركة البناء والتقدم.

توحيد الجبهة الداخلية و الحفاظ على تماسكها هو المدخل الأساس للإسراع في المجهودات التنموية ، اليوم و نحن على بعد  أقل من أسبوع من الدخول الاجتماعي و أسابيع قليلة من الدخول السياسي الذي لن يكون عاديا كباقي الأعوام السابقة فالمغرب و معه العالم  يمر من مرحلة انتقالية دقيقة و فترة محاطة بأزمة اقتصادية بتداعياتها الاجتماعية المتناثرة على مختلف القطاعات الحيوية، و تحديات جيوسياسية معقدة بحكم حجم تفاقم الانتظارات المجتمعية والتحديات الاقتصادية التي فرضتها حالة اللايقين ، لاسيما في ترابطها بالمجال الاجتماعي حيث أن الجميع  اليوم ينتظر الإسراع في بناء تصور جديد لمغرب جديد تحت قيادة المؤسسة الملكية الضامن الأوحد و الوحيد  و المعبر الأول على تطلعات و آمال الشعب المغربي .
وهو ما أكده جلالة الملك محمد السادس نصره الله بصريح العبارة في خطاب الذكرى 68 لثورة الملك والشعب قائلا: " الدولة تكون قوية بمؤسساتها، وبوحدة وتلاحم مكوناتها الوطنية. وهذا هو سلاحنا للدفاع عن البلاد، في وقت الشدة والأزمات والتهديدات، وهو ما تأكد بالملموس، في مواجهة الهجمات المدروسة، التي يتعرض لها المغرب، في الفترة الأخيرة، من طرف بعض الدول، والمنظمات المعروفة بعدائها لبلادنا ، فالمغرب مستهدف، لأنه دولة عريقة ، تمتد لأكثر من إثني عشر قرنا، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل؛ وتتولى أمورها ملكية مواطنة، منذ أزيد من أربعة قرون ، في ارتباط قوي بين العرش والشعب ، والمغرب مستهدف أيضا، لما يتمتع به من نعمة الأمن والاستقرار، التي لا تقدر بثمن، خاصة في ظل التقلبات ، التي يعرفها العالم."



تعليقات الزوّار

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس

اترك تعليقا

إقرأ أيضا