نساء خالدات بصمن على مسارات مميزة في تاريخ المغرب - ثريا الشاوي

تعتبر المرحومة ثريا الشاوي من الوجوه البارزة في تاريخ المقاومة النسائية المغربية، فهي أول امرأة تحصل على رخصة طيار، في العالم العربي الإسلامي، و أصغر امرأة في العالم تنجح في امتحان الكفاءة لقيادة الطائرات بُعَيد حصولها على شهادة الطيران سنة 1951 ، وهي لا تتجاوز 16 سنة من عمرها ، استطاعت التَّغلب على كل المعيقات وإثبات قدراتها وتميزها، وأخذ مسؤولية طائرة وركابها على عاتقها، لتصبح بذلك مثالا مُشرِّفا للمرأة المغربية في زمن كان عدد الطيارات الأوروبيات والأمريكيات يعد فيه على رُؤوس الأصابع.
فقد دون الأستاذ عبد الحق المريني مؤرخ المملكة والناطق الرسمي باسم القصر الملكي، عبر كتابه " الشهيدة ثريا الشاوي، أول طيارة بالمغرب الكبير " الذي أصدرته مؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث، يوم 18 يونيو 2009؛ للحظة المميزة في حياة ثريا بالقول :" بعد مُضيِّ أربعة أشهر من التداريب، عزمت المرحومة أن تتقدم لخوض معركة الإمتحان، للإحراز على شهادة الكفاءة في الطيران، لكنها وجدت عراقيل نُصبَت في طريقها لتَعوقَها عن أخذ هذه الشهادة، فبعد إلحاحات، وتسويفات، ومناورات، سمح أبوها لنفسه أن يلتزم بالمصاريف، وقيمة الطائرة، ويتحمل مسؤولية حياة ابنته ليأذن لها في نيل الشهادة".
ومن القوانين التي كانت متبعة أن لجنة الامتحان، كانت تؤجله حينما كان يبدو الجو مُكفهرا، ويملأ الضباب أرجاء الأفق، ومن سوء الحظ كان يوم إجراء الامتحان يوما مكفهر المُحيَّى، ولم تؤجل اللجنة كعادتها بل أمرتها بالخوض في المعركة فكان النجاح حليفها؛ فبهرت عقل اللجنة خصوصا لما حلَّقَت على علو 3000 متر وقطعت مسافة على شكل دائرة محيطها 40 كيلو مترا”. ويضيف المريني “لما وصلت إلى وسط المطار أسكتت المحرك، ونزلت بدونه إلى المكان الذي كانت فيه لجنة التحكيم تنتظر، والتي كانت متيقنة برسوبها التام. ولكن خاب الظن ولم يقدر رئيس اللجنة مدير المطار المدني، أن يملك شعوره بل ذهب إلى ثريا قبل أن تنزل إلى البسيطة، وحملها على ذراعيه إعجابا وتقديرا، حتى وصل بها إلى القاعة التي ستؤدي فيها ثريا الامتحان الشفوي”..
كانت الفتاة مصدر فخر كبير للنِّساء المغربيات أيامها وستكون كذلك لنساء القرن الواحد والعشرين، هي عنوان الاعتزاز والثقة ورفع الرؤوس بهمة عالية نُطلُّ عَبرَه على ما مضى ونستشرف المستقبل لنُكمل المسيرة.. بعد اجتياز ثريا الشاوي لامتحاناتها بتفوق وتميز، وحصولها على شهادة الطيران، خَصَّصت كُبريات الإذاعات العالمية حيزا مهما من وقتها للإعلان عن نجاح الشهيدة ثريا الشاوي في امتحان الطيران بمدرسة “تيط مليل” بالدار البيضاء؛ لتتوالى عليها البرقيات والرسائل المهنئة حينها من بطل الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي من القاهرة.، ومن أول ربانة طائرة فرنسية “جاكلين أريول”، ومن ملك تونس، وملك ليبيا عبد الله السنوسي، والإتحاد النسوي الجزائري، والإتحاد النسوي التونسي، ومن الأستاذ علال الفاسي؛ ليستقبلها الملك محمد الخامس بالقصر الملكي بالرباط، مصحوبة بوالدها عبد الواحد الشاوي، ويقدم لها باقة ورود، مخاطبا والدها: “هكذا أحب أن يكون الآباء”.
ولدت ثريا الشاوي يوم 14 دجنبر 1937 بحومة القلقليين القديمة بمدينة فاس، وكانت ميالة للألعاب الميكانيكية عاشقة لتفكيكها بعيدا عن ألعاب الأطفال العادية، وبحسب من عاصرها، فقد كان حلم الطيران صعب المنال في ذاك الوقت، بل إن حتى النُّخب العصرية وقتها لم تكن مبهورة بعد بالتطور التكنولوجي الذي شهده العالم في تلك الفترة، ليصبح ركوب الطائرة وقيادتها من طرف ثريا الشاوي؛ تحدِّيا للسلطات الاستعمارية الذين كانوا يَروْن في جنسهم رمزا للتفوق؛ يفتح الباب على مصراعيه في وجه الفتاة المغربية أمام عالم التَّطور والتَّقدم ورفع الحيف عن نساء وفتيات المغرب.وزاد غيضهم بتحليقها بطائرتها ذات المحرك الواحد، فوق موكب محمد الخامس من مطار الرباط سلا، يوم عودته من منفاه السحيق إلى وطنه العزيز سنة 1955، حيث كانت تُحلِّق على علو مُنخفض، وتُلقي من طائرتها بأوراق ملونة للمشاركة من الجو، في الترحيب بعودته إلى أرض الوطن.
وتعرضت ثريا الشاوي إلى عدة محاولات للاغتيال لكنها باءت بالفشل، وحسب كتاب عبد الحق المريني دائما والذي شغل سابقا مهمة مدير التشريفات والأوسمة، فقد قُدِّرت بأربع محاولات، أولها كان في أوائل نونبر 1954، حيث وضعت مجموعة إرهابية فرنسية قنبلة بباب الفيلا التي كانت تسكنها، بشارع أليسكاندر مالي، ما ألحق بها خسائر جسيمة، لكن دون أن يصاب أحد، والثانية في أواخر دجنبر، بعدما أدخلت سيارتها إلى المرآب برفقة والدها، واتجها إلى منزلهما الكائن بين طريق “بيرجوراك” وطريق “تميرال”، فأطلقت عليها ثماني طلقات من رشاشة أوتوماتيكية، ولحسن حظهما لم يصابا بأي أذى، وفي غشت 1955، حاول شرطيان فرنسيان إطلاق النار عليها وهي بداخل سيارتها صحبة والدتها، لكن احتشاد الناس حولهما حال دون إصابتهما، وفي شتنبر 1955 أوقفها شرطيان وهي على متن سيارتها ، وأمراها بأن تحملهما إلى المكان الذي يريدانه، وعندما امتنعت واحتشد الناس حولهم، اتهماها بمخالفة قانون السير ، ليتم إخلاء سبيلها مباشرة
وفي 1 مارس 1956 طالتها ايادي الغدر وتم اغتِيالها من طرف المستعمر على يد مجموعة أشخاص فَرُّوا فور تنفيذهم لعملية اغتيال الشهيدة ثريا، ليعيش إذاك المغرب أول جنازة سياسية كبرى في أول سنة من استقلاله، حيث شُيِّعت ثريا الشاوي يوم 2 مارس 1956 دون أن تعيش الإعلان الرسمي عن استقلال المغرب وحضر.
الموكب الجنائزي لثريا 60 ألف نسمة من المشيعين الذين أحبوها وقدروا اجتهاداتها وإنجازاتها التي ساهمت في الرُّقي بمكانة المرأة المغربية حتى وصل صِيتُها للعالمية.
تعليقات الزوّار
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس