اعتماد الدرهم المغربي كبديل للفرنك الإفريقي في دول غرب إفريقيا

يبدو أن فكرة اعتماد الدرهم المغربي كبديل للفرنك الإفريقي في دول غرب إفريقيا لم تعد مجرد احتمال بعيد، بل باتت خيارًا استراتيجيًا مطروحًا للنقاش، خاصة في ظل التحولات الجيو-اقتصادية التي تعرفها المنطقة، دول الساحل الإفريقي مثل موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينافاسو وغامبيا والسنغال وساحل العاج أصبحت أكثر ارتباطًا بالمملكة المغربية على المستويين الاقتصادي والاستثماري، ما يمهد الطريق لبناء تكتل مالي إقليمي جديد.
الدرهم المغربي، الذي يُدار ضمن نظام صرف مرن نسبيًا مرتبط بسلة عملات (60 بالمائة من اليورو و40 بالمائة من الدولار)، يُعد من العملات المستقرة في المنطقة. هذا الربط الذكي يمنحه مناعة نسبية ضد تقلبات الأسواق الدولية، ما يُعزز من الثقة فيه كعملة بديلة محتملة للفرنك الإفريقي. كما أن التحكم في التضخم يبقى أحد أبرز نقاط القوة في السياسة النقدية للمملكة المغربية، مما يُعزز جاذبية الدرهم.
الاستثمارات المغربية في إفريقيا الغربية سجلت قفزة نوعية، حيث انتقلت من 100 مليون دولار سنة 2014 إلى ما يفوق 2.8 مليار دولار بحلول سنة 2024. المملكة المغربية أصبحت من أكبر المستثمرين في القارة، مستندة إلى كفاءات وطنية عالية التكوين في مجالات المال والأعمال، إلى جانب بنية مصرفية متقدمة. البنوك المغربية، مثل مجموعة "التجاري وفا بنك" و"البنك الشعبي"، أصبحت تسيطر على حصة مهمة من السوق البنكية في دول مثل مالي، موريتانيا، وساحل العاج.
في السنغال، تعمل أكثر من 70 شركة مغربية في مجالات حيوية كالفلاحة والبناء والطاقة، في حين تحولت موريتانيا إلى منصة استراتيجية للاتصالات والخدمات البنكية المغربية. النيجر وبوركينافاسو تظهران في الأفق كشريكين استراتيجيين محتملين، خاصة مع انسحاب النفوذ الفرنسي التقليدي وتنامي البحث عن شراكات اقتصادية جديدة وفعالة.
أما على مستوى الاحتياطات، فتتوفر المملكة المغربية على احتياطي من العملة الأجنبية يفوق 42 مليار دولار، ما يجعلها في وضعية قوية لأي عملية دعم محتملة للعملة في منطقة الساحل، خصوصًا في حال تم التفكير في اعتماد مشترك للدرهم أو ربط العملات المحلية به.
دول الساحل المعنية بهذا الطرح تمتلك بدورها مؤهلات اقتصادية ومالية مهمة، رغم تفاوت مستويات التنمية فيما بينها. فموريتانيا، مثلًا، تزخر بثروات طبيعية هائلة من الحديد والذهب والغاز الطبيعي، وقد بدأت في السنوات الأخيرة في استقطاب استثمارات ضخمة في قطاع الطاقة، خصوصًا الغاز المسال، بالتعاون مع دول وشركات كبرى. كما بدأت في تحسين مناخ الأعمال وإصلاح المنظومة المالية، وهو ما يؤهلها لتكون شريكًا اقتصاديًا قويًا في أي تكتل إقليمي جديد.
السنغال تُعد من أكثر اقتصادات غرب إفريقيا استقرارًا وتنوعًا، وتحقق نموًا اقتصاديًا يفوق 5 بالمائة سنويًا خلال العقد الأخير، كما أنها مقبلة على طفرة في قطاع النفط والغاز البحريين، ما من شأنه أن يرفع من قدرتها التفاوضية ويُحسن وضعها المالي. البنك المركزي السنغالي يشكل جزءًا من المنظومة المالية للاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا، إلا أن هناك نقاشًا داخليًا متصاعدًا حول الحاجة إلى إصلاح العملة وتحرير السياسة النقدية، وهي نقطة تقاطع مهمة مع المبادرة المغربية.
ساحل العاج تُعد القوة الاقتصادية الأولى في منطقة الفرنك الإفريقي من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وتتميز باقتصاد زراعي قوي، خصوصًا في إنتاج الكاكاو والبن والمطاط، إلى جانب بنية تحتية لوجستية متقدمة نسبيًا. كما أنها تحتضن عددًا كبيرًا من المؤسسات الإقليمية. ومع ذلك، تبقى مسألة الاعتماد المفرط على العملة الفرنسية أحد أبرز نقاط الجدل، مما يفتح المجال لبدائل واقعية مثل الدرهم المغربي.
مالي، رغم التحديات الأمنية والسياسية، تمتلك ثروات باطنية واعدة مثل الذهب، الذي يُعد المصدر الأول للعملة الصعبة في البلاد. الاقتصاد المالي هش، لكنه مفتوح على فرص إعادة الهيكلة من خلال شراكات جديدة، خصوصًا مع دول الجنوب. حضور البنوك المغربية في مالي يوفر قاعدة انطلاق محتملة لأي إصلاح نقدي. كما أن توجه القيادة الانتقالية في باماكو نحو فك الارتباط مع فرنسا يعزز من احتمالات القبول بمشروع نقدي بديل.
بوركينافاسو تشهد ظرفًا أمنيًا صعبًا، لكنها تبقى دولة ذات إمكانيات زراعية ومعدنية معتبرة. كما أن جزءًا من نخبها الاقتصادية أصبح أكثر تحررًا من التبعية التاريخية لفرنسا. الاهتمام المغربي المتزايد بها، سواء عبر مشاريع البنية أو عبر التمثيل الدبلوماسي والاقتصادي، يعكس استعدادًا لبناء علاقة استراتيجية قوامها التنمية المشتركة. البنوك المغربية بدأت بالفعل في اختراق السوق المحلي، وهو ما يتيح فرصًا لتنسيق نقدي في المستقبل القريب.
النيجر، الدولة الغنية باليورانيوم والمعادن، تعيش تحولًا عميقًا في سياستها الخارجية بعد قطع العلاقات مع فرنسا. وهي تسعى إلى بناء تحالفات بديلة، وبدأت في اعتماد سياسة اقتصادية أكثر استقلالية، مع التركيز على تطوير الزراعة والصناعة الاستخراجية. التعاون المغربي-النيجري يزداد تنوعًا، وهناك آفاق واعدة لإشراك المملكة المغربية في مشاريع البنية والطاقة، خصوصًا مشروع أنبوب الغاز النيجيري-المغربي، الذي يمر عبر النيجر.
الحديث عن موقع المملكة المغربية في هذا السياق لا يمكن فصله عن مؤهلاتها الاقتصادية والمالية والإدارية التي تجعل منها فاعلًا محوريًا في المنطقة. المملكة المغربية تتمتع باقتصاد متنوع يشمل الفلاحة والصناعة والخدمات، كما تحتل موقعًا استراتيجيًا بين إفريقيا وأوروبا، وتُعد بوابة طبيعية للقارة نحو الأسواق العالمية. البنية التحتية المتطورة، من موانئ وطرق وسكك حديدية، وخاصة ميناء طنجة المتوسط، تضع المملكة المغربية في موقع الريادة اللوجستية والتجارية.
على المستوى الإداري، قطعت المملكة المغربية أشواطًا هامة في تحديث الإدارة العمومية، وتعزيز الحوكمة، ومحاربة الفساد، وتبسيط المساطر الإدارية، ما جعلها وجهة مفضلة للمستثمرين الأفارقة والدوليين. وتُصنف في مراتب متقدمة من حيث مناخ الأعمال مقارنة بجيرانها الإقليميين. أما من الناحية المالية، فالمملكة المغربية تتمتع بنظام بنكي قوي ومنظم، وتحت إشراف صارم من بنك المغرب، الذي يُعتبر من أكثر البنوك المركزية استقلالية وفعالية في إفريقيا.
الاستقرار السياسي يبقى أحد أهم نقاط القوة. فالمملكة المغربية تتميز بنظام سياسي مرن ومستقر، سمح بتمرير إصلاحات هيكلية عميقة دون زعزعة التوازنات الكبرى. هذا الاستقرار السياسي يشكل عنصر جذب لرؤوس الأموال والشركات العالمية الباحثة عن بيئات آمنة ومستقرة.
من الناحية النفسية والاجتماعية، تتقاسم المملكة المغربية مع شعوب غرب إفريقيا روابط تاريخية وثقافية ودينية عميقة، تمتد إلى قرون من التفاعل بين الزوايا الدينية والتجار والعلماء. هذه القواسم المشتركة تخلق مناخًا من الثقة والقبول، يسهل الشراكات ويذلل العقبات النفسية التي يمكن أن ترافق مشاريع اقتصادية أو نقدية ذات بعد استراتيجي.
ولا يمكن إغفال البعد الرمزي الكبير الذي ستلعبه المملكة المغربية خلال السنوات القادمة، خاصة في ظل استعدادها لاحتضان نهائيات كأس العالم لكرة القدم سنة 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال. هذا الحدث العالمي سيشكل تتويجًا للمكانة المتقدمة التي باتت المملكة المغربية تحتلها على الساحة الدولية، وسيعزز من صورتها كدولة آمنة، حديثة، ومضيافة، ما من شأنه أن يضاعف تدفقات الاستثمار السياحي والعقاري والصناعي، ويُظهر للعالم الوجه الحقيقي لمملكة تسير بخطى ثابتة نحو الريادة القارية.
كل هذه المعطيات تجعل من طرح اعتماد الدرهم المغربي كعملة إقليمية بديلة للفرنك الإفريقي خيارًا جديًا وواقعيًا. يتطلب الأمر إرادة سياسية واضحة من دول الساحل، وتنسيقًا ماليًا وتشريعيًا عميقًا مع المملكة المغربية. كما أن نجاح هذا المشروع يعتمد على مدى استعداد الأطراف المعنية لتجاوز إرث التبعية النقدية الفرنسية، وبناء نظام نقدي جديد يرتكز على السيادة والتكامل الإقليمي. الدرهم المغربي، بما راكمه من استقرار وقوة مؤسسية وارتباطه بدولة ذات مؤهلات شاملة، قد يكون بوابة هذا التغيير المنتظر، ونواةً لمشروع نقدي إفريقي مستقل، يستجيب لطموحات الشعوب ويخدم مصالحها التنموية والاقتصادية بكرامة وسيادة.
تعليقات الزوّار
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس