من المقاومة إلى التنمية: صحراء مزدهرة وشباب مغربي في قلب الإنجازات

في كل سنة، يعود الشعب المغربي ليخلد في جو من الفخر والاعتزاز ذكرى ثورة الملك والشعب يوم 20 غشت، وهي ذكرى ليست مجرد حدث تاريخي، بل محطة وطنية تعكس روح النضال والتضحية والوفاء للوطن. هذا اليوم الذي اندلعت فيه الثورة الشعبية سنة 1953 بعد أن أقدمت سلطات الاستعمار الفرنسي على نفي السلطان محمد الخامس رضوان الله عليه، محاولةً لإبعاد الملك عن شعبه وإخماد جذوة الكفاح الوطني، لكنه فوجئ برد فعل الشعب المغربي الذي عبر عن ولائه العميق للعرش ورفضه التام للاستعمار، فاندلعت الثورة الكبرى التي أدمجت الشعب والقيادة في مسار تاريخي توج بالعودة المشرفة للملك الشرعي وإعلان استقلال المملكة سنة 1956.
إن يوم 20 غشت يظل درساً حياً في الحرية والكرامة والوحدة الوطنية، ويذكرنا بأن بناء الوطن لا يتحقق إلا بالتضحيات وبالوفاء للأمانة الوطنية، وأن التلاحم بين القيادة والشعب هو أساس القوة الحقيقية لأي أمة. ففيه تجسد البطولة والمقاومة والتضحية من أجل الحرية، وتجدد في قلوب المواطنين العزيمة على الدفاع عن مقدسات الوطن والحفاظ على استقلاله، وتعكس الرغبة الصادقة في بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
وفي اليوم الموالي، يحتفل الشعب المغربي بعيد الشباب المصادف لـ 21 غشت من كل سنة، الذي يمثل مناسبة وطنية رمزية لإشادة الشباب المغربي باعتباره القوة الحية في المجتمع وركيزة مستقبله، ويؤكد الحرص الملكي على الاستثمار في الإنسان وتطوير قدراته، إدراكاً بأن التنمية الحقيقية تبدأ بالإنسان وتستند إليه. وقد تجلت هذه الرؤية في برامج ومشاريع عديدة ترسخ التقدم والازدهار في مختلف مناطق مملكتنا السعيدة، خصوصاً في أقاليمنا الجنوبية التي شهدت منذ تولي صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، تحولاً تنموياً غير مسبوق، وأصبحت نموذجاً يحتذى في التنمية المستدامة والبنية التحتية الحديثة.
لقد أصبحت الصحراء المغربية خلال السنوات الأخيرة فضاءً لتجربة تنموية متكاملة تشمل كل القطاعات الحيوية، حيث شمل تطوير البنية التحتية إنشاء شبكة واسعة من الطرق الحديثة تربط المدن الكبرى، وتحديث الموانئ البحرية في العيون والداخلة لتعزيز التجارة والنقل، فضلاً عن تطوير المطارات لتسهيل حركة المسافرين وربط المنطقة ببقية العالم. كما تم تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة في جميع مناطق الصحراء، شملت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بما يسهم في إنتاج طاقة نظيفة ومستدامة ويعزز استقلالية المملكة في هذا المجال. وتم الاهتمام كذلك بالعنصر البشري من خلال بناء مدارس وجامعات ومراكز تعليمية عصرية، وإنشاء مستشفيات ومراكز صحية لتوفير الرعاية لجميع السكان، مع برامج اجتماعية تدعم الشباب والنساء والأسر الأكثر احتياجاً.
على الصعيد الاقتصادي والاستثماري، أصبحت الصحراء المغربية قبلة للمستثمرين الأجانب والمحليين على حد سواء، بفضل برامج التنمية المتكاملة التي تشمل الاستثمار في القطاعات الصناعية والسياحية والخدماتية، بما يخلق فرص عمل ويعزز التنمية المحلية. وقد كانت هذه الجهود مصحوبة بدعم دولي واضح لمشروع الحكم الذاتي المغربي، واعتراف واسع بسيادة المغرب على الصحراء، وفتح قنصليات لدول مختلفة في مدينتي العيون والداخلة، مما يعكس جدية الدولة المغربية في ترسيخ استقرار الأقاليم الجنوبية ورفع مكانتها الاقتصادية والدبلوماسية.
إن النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يسعى إلى جعل الصحراء المغربية قوة تنموية نموذجية قادرة على مواجهة التحديات الكبرى، وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، ورفع جودة حياة سكانها، وإشراك كافة الفاعلين المحليين من منتخبين ومستثمرين ومجتمع مدني في مسيرة البناء الوطني. كما يتيح هذا النموذج فرصاً متزايدة للشباب ليكونوا شركاء حقيقيين في التنمية، مما يجعلهم جزءاً من القرار ومسؤولين عن المستقبل.
إن ذكرى ثورة الملك والشعب وعيد الشباب ليست مجرد مناسبات تاريخية، بل دعوة دائمة لتجديد العهد بالوفاء للوطن، والالتزام بالعمل المستمر من أجل استقلاله واستقراره، ورفع مكانته على المستويين الإقليمي والدولي، مع التذكير بأن استقلال الوطن ومساره التنموي مسؤولية جماعية تقع على عاتق كل مواطن ومواطنة. ففي كل زاوية من أقاليم الصحراء، وفي كل مشروع بني أو طريق شُق، وفي كل مدرسة أو مستشفى أُنشئ، يتجسد هذا التلاحم بين الإرث التاريخي للمقاومة والجهود المعاصرة لبناء وطن مزدهر.
اليوم، حين نخلد ذكرى ثورة الملك والشعب ونحتفل بعيد الشباب، فإننا نستلهم العبر والدروس من الماضي ونحتفي بالحاضر ونخطط للمستقبل. نستلهم العزم من بطولات الشهداء، ونستثمر في شبابنا، ونبني بوعي وإصرار صحراء مزدهرة تليق بتاريخ الوطن ومكانته، ونؤكد للعالم أن المملكة المغربية شعب وقيادة، عزيمة وإرادة، حاضر ومستقبل متلاحم في مسيرة التنمية والكرامة.
تعليقات الزوّار
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس